وأردف الله تعالى ذلك بإيراد خبر نوح عليه السلام، للعظة والعبرة المتشابهة أيضا، وهو أنه أمر الله رسوله محمدا صلّى الله عليه وسلّم أن يذكر لقومه حين نادى نوح ربه مستنصرا به، داعيا على قومه لما كذبوه، كما حكى القرآن عن نوح: فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (١٠)[القمر: ٥٤/ ١٠] .
وفي آية أخرى: وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً (٢٦)[نوح: ٧١/ ٢٦] . وكان ذلك قبل رسالة خاتم النبيين وقبل إبراهيم ولوط فاستجاب الله دعاءه، ونجاه وأهله المؤمنين من الغرق بالطوفان، والشدة والأذى، وهو الكرب العظيم الذي تعرضت له الدنيا، بغمرة الطوفان والغم الشديد، والعذاب النازل بأهل الشرك والكفر، وتكذيب نوح، وإيذائه إيذاء شديدا، بعد أن لبث فيهم يدعوهم إلى توحيد الله ألف سنة إلا خمسين عاما، فلم يؤمن به إلا قليل.
لقد صار الماء الذي هو مصدر الحياة، مصدر الفناء، فهو إذا كثر يصبح دمارا، كالريح الهوجاء العاتية، يكون الهواء اللطيف أساس الحياة، فإذا اشتد كان ضررا.
ولم يكن تعذيب قوم نوح بالطوفان إلا حقا وعدلا من الله تعالى، فإنهم لما كذّبوا بآيات الله سبحانه، وكانوا قوم شر وسوء، وفسق وعصيان، أغرقهم الله جميعا، لاجتماع الأمرين: تكذيب الحق ورسالة النبي، والإغراق في الشر، ولم يجتمع هذان السببان في قوم إلا وأهلكهم الله تعالى، وذلك جزاء الظالمين.
فهل يعتبر أهل مكة الوثنيون وأمثالهم بقصة قوم نوح ولوط، وما أصابهم من العذاب الشديد، وكيف كان النصر للمؤمنين، والعذاب الشامل للكافرين.
إن طريق العظة: هو الإيمان بالله ربا واحدا لا شريك له، وبالاستقامة على درب الإيمان ولزوم الطاعة لله عز وجل، والبعد عن المعاصي والمنكرات.