تاريخية، لقد كذبت قبلهم أقوم نوح، وعاد قوم هود، وثمود قوم صالح، وقوم إبراهيم ولوط، وأصحاب مدين قوم شعيب، وجماعة الأقباط الذين أرسل إليهم موسى، بما معه من الآيات البينة والدلائل الواضحة، فأخرت العذاب عن أولئك الكافرين، إلى وقت معلوم عندي (عند الله) ثم أخذتهم بالعذاب الشديد وأهلكتهم، فانظر كيف كان إنكاري عليهم، بتدميرهم وعقابي لهم، وقوله سبحانه فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ بإسناد فعل بعلامة التأنيث، لأنه سبحانه أراد بالقوم: الأمة والقبيلة.
والعبرة من الإخبار بهذا: الإنذار لقريش بأن ما جرى على المثيل يجري على مثيله.
وأسباب الإهلاك: هو ما أخبر به الله سبحانه، فكم من قرية أهلكها الله، وهي ظالمة، أي مكذبة رسلها، والمراد أهل القرية، والظالمة: معناه: الظلم بالكفر، وبالإهلاك تصبح ديار القرية ساقطة حيطانها على سقوفها، وتتعطل مرافقها وآبار مياهها المنتفع بها، وتتهدم قصورها المشيدة، أي المبنية بالشّيد: وهو الجصّ.
ثم أثار الله في القرشيين نوازع الفكر والتأمل، وحثهم على النظر والتفكر، فهلا سافروا وتنقلوا في البلاد، فيتأملوا بما حدث من مصارع القوم، ويفكروا بعقولهم في الأسباب والنتائج، ويسمعوا الأخبار بآذانهم، ليطّلعوا على الحقائق، ويدركوا الأسرار، فيتعطوا بما شاهدوا، ويقلعوا عما هم فيه من الشرك وتكذيب الرسول، ولكنهم مع الأسف لم يفكروا، ولم يعتبروا ولم ينظروا، لا بسبب عمى البصر، ولكن بسبب عمى البصيرة، فإن أبصارهم سليمة، ولكنهم عطلوا قدراتهم الفكرية وعقولهم الواعية، فلم يدركوا حقائق الأمور، ولم يتعمقوا في فهم الأحداث. ذكر الرازي في تفسيره: أن الآية تدل على أن العقل هو العلم، وأن محل العلم هو القلب، أي أداة الوعي.
ويتعجل القرشيون إيقاع العذاب الذي تنذرهم به أيها الرسول، فليطمئنوا فإن