سحاب عال في طبقات الجو الباردة برودة شديدة، فإن الطائرة مثلا التي ترتفع في الجو (٣٥) ألف قدم تكون البرودة حينئذ (٥٠) درجة تحت الصفر. ثم يسوق الله ذلك السحاب بالرياح اللواقح إلى المكان الذي يريد إنزال المطر فيه، ثم ينزل المطر من خلال السحاب، أي من شقوق بين أجزائه.
وينزّل الله من السماء مطرا وبردا من سحب كثيفة متراكمة تشبه الجبال، فيصيب الله بالمطر من يشاء من عباده رحمة لهم، ويحجبه ويمنعه عمن يشاء، ويؤخر الغيث عمن يريد، إما نقمة وإما رحمة حفاظا على الأزهار والثمار والزروع. وجبال البرد إما حقيقة. وإما مجاز يراد به وصف كثرته.
والعجب في هذا خلق الشيء من ضده، وهو النار من البارد، حتى ليكاد برق اصطدام الغيوم من شدته، يخطف الأبصار إذا نظرت إليه، نظرة تحديق. وسنا برقه:
يراد به ضوء ذلك البرق الذي في السحاب. ويذهب بالأبصار: فيه تقدير أي يذهب النفوس بالأبصار.
والدليل الثالث: اختلاف الليل والنهار، أي إن الله عز وجل يتصرف في الليل والنهار بزيادة أحدهما ونقص الآخر، وتغير أحوالهما بالحرارة والبرودة، وتعاقبهما بنظام ثابت دقيق. إن في ذلك لدليلا على عظمة الله الباهرة، وعظة لمن تأمل من ذوي العقول والألباب. والتنبيه على تعاقب الليل والنهار واختلافهما طولا وقصرا وارد في كثير من الآيات، مثل قول الله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (١٩٠)[آل عمران: ٣/ ١٩٠] .
وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم- فيما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه:«قال الله تعالى: يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر، وأنا الدهر، بيدي الأمر، أقلّب الليل والنهار» .