يجحدون النعمة، وينسبون ذلك التوزيع لغير الله من الطبيعة أو الأنواء والكواكب، فيقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا، أي من النجوم الساقطة أو الطالعة في المشرق والمغرب، وفي إنزال المطر والتحكم فيه من الله تعالى دليل على وجوده وقدرته وحكمته. وهذا يقتضي شكر المنعم، كما ينبغي شكره على إرسال الرسول محمد صلّى الله عليه وسلّم بالقرآن العظيم، ولو شاء الله لبعث في كل بلدة رسولا منذرا يخوّف الناس من عذاب أليم، ولكن اكتفى الله ببعثة محمد صلّى الله عليه وسلّم إلى الثقلين: الإنس والجن، وإلى جميع أهل الأرض المعمورة، وأمره ربّه بتبليغ القرآن كما جاء في آية: لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها [الشورى: ٤٢/ ٧] . فإياك أيها النبي أن تتبع الكفار فيما يدعونك إليه، من مجاملات لآرائهم ومذاهبهم، وجاهدهم بكل سلاح مادي وهو السلاح المعروف، أو بياني إعلامي وهو اللسان مشافهة أو كتابة، أو بالنفس والمال، أو بالسلاح العقلي: وهو القرآن الكريم، جهادا شاملا، لا هوادة فيه.
والمراد بقوله تعالى: وَجاهِدْهُمْ بِهِ الضمير يعود على القرآن أو الإسلام.
ثم ذكر الله تعالى الدليل المتعلق بالبحار، فهو سبحانه الذي جعل البحرين المتضادين متجاورين متلاصقين لا يمتزجان، هذا ماء زلال عذب فرات، أي مفرط العذوبة، وهذا ملح شديد الملوحة، ولكن لا يختلط أحدهما بالآخر، كأن بينهما حاجزا منيعا، وحدا محدودا. وهذا دليل آخر على وجود الله وقدرته الباهرة ووحدانيته في الكون.
والدليل الأخير على وجود الله: أن الله سبحانه هو الذي خلق الإنسان من نطفة ضعيفة، فسوّاه وعدّله، وجعله كامل الخلقة، ذكرا أو أنثى كما يشاء الله، وقسم النوع الإنساني قسمين: ذكورا تنسب إليهم الأنساب، وإناثا يصاهر بهن، وكان الله الخالق قديرا بالغ القدرة، يفعل ما يشاء من هذا وغيره، يخلق ما يريد، على وفق