يستمتعون بلذة المناجاة مع الإله الخالق، يصلون صلاة الليل، ويذكرون ربهم ساجدين قانتين، قائمين طائعين، لأن العبادة تحلو في جوف الليل، وتكون دليلا على الإخلاص والصدق، وحب التقرب من الله تعالى، كما جاء عن عبادة الليل في آية أخرى: إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلًا (٦)[المزمل: ٧٣/ ٦] . وكل إنسان مكلف بالتهجد بقدر الاستطاعة.
٤- والصفة الرابعة: هي الخوف من عذاب الله في جهنم، فهم يدعون ربهم بصرف عذاب النار عنهم، حتى يكونوا دائما في حذر وخوف مع الرجاء، وحيث يكون ذلك دليلا على صحة عقيدتهم وإيمانهم، وتطابق أعمالهم مع اعتقادهم، وعلة الدعاء على هذا النحو: أن عذاب جهنم ملازم للإنسان العاصي، ثقيل على النفس، وإن جهنم بئس المستقر أو المكان هو، وبئس موضع الإقامة هو أيضا.
٥- والصفة الخامسة: هي الاعتدال في الإنفاق أي ترك الإسراف والتقتير. فإن شأن المؤمنين إذا أنفقوا على أنفسهم لم يكونوا مبذّرين في النفقة، فلا تزيد عن الحاجة، ولا بخلاء مقترين، فيقصرون في أداء الحق والواجب، وإنما ينفقون أموالهم بنحو عدل وسط، بقدر الحاجة. والقصد من هذه الصفة: هو جعل نفقة الطاعات في المباحات من غير إفراط ولا تفريط، فلا يسرف حتى لا يضيع أو يهدر ثروته في وقت قصير، ولا يقتّر فيضيع حقا آخر أو يهمل عياله وأهله، أو يجيعهم ويفرط في الشح والبخل، والحسن في ذلك: هو القوام أي العدل، والقوام في كل واحد:
بحسب عياله وحاله، وبمدى قدرته أو جلده وصبره على الكسب، وخير الأمور أوساطها، كما جاء في آية أخرى: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (٢٩)[الإسراء: ١٧/ ٢٩] .
أما النفقة في العبادة التي توهم غير المراد منها: فهي أمر قد حظرت الشريعة قليلة وكثيره، وكذلك التعدي على مال للآخرين.