والمانع نفسه من شهواتها، وهو نبي صالح يوحى إليه، وهذه بشارة أخرى بنبوة يحيى، بعد البشارة بولادته.
تعجب زكريا عليه السلام من هاتين البشارتين، فقال: كيف يكون لي غلام، وقد أصبحت كبير السن، وامرأتي عقيم لا تلد، فأجابته الملائكة: كذلك الله يفعل ما يشاء، أي مثل ذلك الخلق غير المعتاد الحاصل مع امرأة عمران، يفعل الله ما يشاء في الكون. فطلب زكريا من ربه أن يجعل له علامة تدل على الحمل ووجود الولد منه، استعجالا للسرور، أو ليشكر تلك النعمة، فجعل الله علامة ذلك ألا يقدر على كلام الناس مدة ثلاثة أيام متوالية، إلا بالإشارة والرمز بيد أو رأس أو نحوهما.
وأمره الله أن يذكر ربه ويكبره ذكرا كثيرا، ويسبّحه أو ينزهه عما لا يليق به طوال الوقت، ولا سيما عند الصباح والمساء.
واذكر أيها النبي حين قالت الملائكة لمريم: يا مريم، إن الله لكثرة عبادتك وزهدك اختارك رمزا لسمو الأخلاق والصفات، وطهرك من الأكدار والعيوب، والوساوس والدناءات، وطهرك من عادات النساء كالحيض والنفاس والولادة من غير جماع، وفضلك على نساء العالمين في زمانك.
يا مريم، الزمي الطاعة والخضوع والخشوع لله، واسجدي له مع التعظيم، وصلّي جماعة مع المصلين.
تلك القصص التي أخبرناك عنها أيها النبي، من أخبار زكريا ويحيى ومريم: هي من أخبار الغيب التي لم تطلع عليها أنت ولا أحد من قومك، وإنما هي بالوحي الذي أوحينا به على يد جبريل الأمين، ولم تكن حاضرا معهم حينما جاءت امرأة عمران، وألقت مريم في بيت المقدس، وتنافس الأحبار في رعايتها وخدمتها.