في ملكه، الذي يمنع أصفياءه من الأعداء، وينصرهم عليهم، الحكيم في تدبير شؤون خلقه، فلا يأمر إلا بما فيه الصلاح والرشاد والخير. وهاتان الصفتان البليغتان الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ تقتضيان استحقاق التوكّل على الله.
ومكافاة لإبراهيم على جهاده في تبليغ دعوته، وإبطال الوثنية، أنعم الله عليه بعد ترك قومه الوثنيين بنعم ثلاث:
الأولى- أن الله تعالى وهب إبراهيم في حال الكبر إسحاق بعد إسماعيل الذّبيح، وكذا يعقوب بن إسحاق نافلة وفضلا، فقد بشّر الله إبراهيم بإسحاق، ثم بشّر بيعقوب من بعده، كما جاء في آية أخرى: وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً [الأنبياء: ٢١/ ٧٢] .
والنعمة الثانية- هي جعل النبوة وكتب التوراة والزبور والإنجيل والقرآن، في ذرّية إبراهيم الخليل عليه السّلام، فكانت الأنبياء كلهم بعد إبراهيم من ذرّيّته، ولم يوجد بعده نبي إلا من سلالته، وكان إنزال الكتب السماوية على هؤلاء الأنبياء الذين هم من ذرّية إبراهيم، وهم: موسى وعيسى وداود ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم.
والنعمة الثالثة- إيتاء إبراهيم عليه السّلام أجره في حياته الدنيوية بحيث أدرك ذلك وسرّ به، والأجر الذي آتاه الله تعالى: هو السّلامة من النار، ومن الملك الجائر، والعمل الصالح، والثناء الحسن، وأن كل أمة تحبّه وتتولاه، قال عكرمة:
أهل الملل كلها تدعيه وتقول: هو منّا.
ثم أخبر الله عنه: أنه في الآخرة في عداد الصالحين الذين نالوا رضوان الله تعالى، وفازوا برحمته وكرامته العليا. فإن إبراهيم عليه السّلام يحشر في الآخرة في زمرة الكاملين في الصلاح، الذين لهم الدرجات العليا، والمكانة الرفيعة الأسمى، وكان بهذا قد جمع الله له بين سعادة الدنيا وسعادة الآخرة.