سبب النزول: ما أخرجه التّرمذي عن أبي سعيد الخدري قال: لما كان يوم بدر، ظهرت الروم على فارس، فأعجب ذلك المؤمنين، فنزلت الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) . وقد كان الفرس هم الغالبين للرومان في بدء الأمر، على مشارف الشام مما يلي بلاد العرب، ففرح بذلك مشركو العرب إذ قالوا: إن الفرس لا كتاب لهم مثلنا، والرّومان لهم كتاب مثلكم، لأنهم نصارى، ولننتصرن عليكم كما انتصر الفرس.
وتراهن أبو بكر مع المشركين على انتصار الروم، في مدة بسيطة، فقال له النّبي صلّى الله عليه وسلم:
زد في الرّهان ومدّ الأجل، ففعل، فانتصر الروم في أثناء الأجل، بعد خمس سنوات، كما تقدّم، وأخذ أبو بكر الجعل وتصدّق به.
والمعنى: الم: هذه حروف مقطعة للتنبيه على ما يأتي بعدها، ولتحدّي العرب بمجاراة القرآن ومعارضته، مع أنهم فصحاء العرب، وكلامهم مكوّن من هذه الحروف التي تتركّب بها الكلمة العربيّة أو الكلام العربي الذي ينطقون به.
لقد غلبت الفرس الرّوم في أقرب أرض الرّوم إلى بلاد العرب، في أعلى مشارف بلاد الشام، في الجزيرة: وهو موضع بين العراق والشام، فسرّ المشركون الكفرة، وأدنى الأرض: أقرب الأرض، فإن كانت الوقعة بأذرعات بحسب قول عكرمة فهي من أدنى الأرض بالنسبة إلى مكّة، وإن كانت الوقعة بالجزيرة بحسب قول مجاهد، فهي أدنى الأرض بالنسبة إلى أرض كسرى الفرس. فبشّر الله تعالى عباده المؤمنين بأن الروم سيغلبون في بضع سنين، والبضع: من الثلاث إلى التّسع من السنوات، وذلك من تاريخ الموقعة الأولى. وهذا إخبار عن أمر غيبي في المستقبل، أيّده الواقع، ولله الأمر كله من قبل الغلبة ومن بعدها، فيحقق الله الغلبة لفئة على أخرى، ثم يحدث العكس، بأمر الله وإرادته وقدره وقدرته، خلافا للموازين العسكرية البشرية، فقد يتغلب الضعيف أو القليل على القوي والكثير، بإذن الله ومراده، كما قال سبحانه: