آيات القرآن أدبر وأعرض عنها متكبرا متجبرا، وأصمّ أذنيه عن سماعها، كأن في كلتا أذنيه ثقلا وصمما، لأنه يتأذى بها، ولا ينتفع منها.
ومن أجل بيان الفرق بين الأشقياء والسعداء، أوضح الله تعالى أن الذين آمنوا بالله ربا واحدا لا شريك له، وصدقوا رسل الله الكرام من غير استثناء أحد، وعملوا صالح الأعمال بأداء الفرائض والتزام الأوامر الشرعية، واجتناب المناهي والمفاسد، أولئك لهم جنات النعيم، يتنعمون فيها بأنواع الملاذ والطيبات من المأكل والمشرب والملبس والمراكب وغيرها، وهم فيها مقيمون على الدوام، لا يتحولون عنها ولا يملّون.
وهذا كائن لا محالة، ووعد كريم من الله الذي لا يخلف وعده، فهو وعد حق ثابت، صادر من الله تعالى القوي القاهر الذي لا يغلب، الحكيم الذي يتقن كل شيء، ويضعه في موضعه المناسب له، ويصدر عنه كل قول وفعل رشيد، بقصد هداية الناس. وتلك الهداية هي مهمة القرآن الكريم، فهو كتاب حق وإرشاد وتقويم، ومنار لكل خير، وموضع كل عزة ونصر، وقد جاءت هذه الأوصاف للقرآن في آيات كثيرة، منها: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (٩)[الإسراء: ١٧/ ١٧] .
ويؤكد الله تعالى مهمة القرآن الإصلاحية في مناسبات متعددة، لحمل الناس على الاستقامة والرشاد، كما في قول الله تعالى: هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٤٤)[فصلت: ٤١/ ٤٤] . وفي قول الله سبحانه: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً (٨٢)[الإسراء: ١٧/ ٨٢] .
وأما بعد هذا البيان والإعذار، فيكون المعرضون عن القرآن غير معذورين،