وأن يتنبه إلى حقيقة المعبود. وعبر بقوله: بَلْ أَكْثَرُهُمْ للإضراب عن مقدّر، تقديره:
ليست دعواهم بحق، ونحو هذا. وأكثرهم مشرك، لا كلهم، لأن منهم من بادر إلى توحيد الله تعالى والإقرار بذلك، كزيد بن عمرو بن نفيل، وورقة بن نوفل، وبعضهم أيضا معدّ أن يسلم.
ثم أخبر الله تعالى على جهة الحكم والفصل المبرم بأن الله عز وجل له ملك السماوات والأرض وما فيهما، ملكا وخلقا وعبيدا وتصرفا، وليس ذلك لأحد سواه، ولا يستحق العبادة غيره، لأنه الغني عما سواه، وكل شيء مفتقر إليه، وهو المحمود في الأمور كلها، بذاته وصفاته. والمراد: وأقوال هؤلاء لا معنى لها ولا حقيقة، لأن المعبود بحق: هو الذي لا حاجة به في وجوده وكماله إلى شيء آخر.
ومن صفات الله تعالى: سعة علمه وأنه لا نفاد ولا حدود لمعلوماته فكلمات الله: المعلومات، فلو أن جميع أشجار الأرض جعلت أقلاما، وجعل البحر مدادا، أي حبرا، ومدّ البحر بسبعة أبحر معه، على سبيل المبالغة والاستقصاء والكثرة لا من أجل الحصر، فكتبت كلمات الله الدالة على عظمته وجلاله، لتكسرت الأقلام، ونفد ماء البحر، إن الله قوي لا يغلب، حكيم في صنعه وأقواله وأفعاله. والغرض من الآية: الاعلام بكثرة كلمات الله تعالى، وهي في نفسها غير متناهية، وإنما قرّب الأمر على أفهام البشر بما يتناهى، لأنه غاية الكثرة في علم البشر.
روي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن سبب هذه الآية: أن اليهود قالت: يا محمد، كيف عنينا بهذا القول: وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء: ١٧/ ٨٥] ونحن قد أوتينا التوراة، فيها كلام الله وأحكامه، وعندك أنها تبيان كل شيء؟ فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم:«التوراة قليل من كثير» ونزلت هذه الآية: وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ..