ثم وبّخ الله تعالى المشركين على مطالبتهم بتعجيل أو استعجال العذاب، فكيف يجرءون على استعجال عذاب الله الشديد؟ إنهم يستعجلونه لتكذيبهم وكفرهم بالنبي محمد صلّى الله عليه وسلّم. أخرج جويبر عن ابن عباس قال: قالوا: يا محمد، أرنا العذاب الذي تخوفنا به، عجّله لنا، فنزلت هذه الآية: أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (١٧٦) فإن نزل العذاب بساحتهم، أي بفنائهم أو موضعهم، فبئس ذلك اليوم يومهم، لإهلاكهم ودمارهم، وتعبير النزول بالساحة تستعمله العرب فيما يرد على الإنسان من خير أو شر. وسوء الصباح: يستعمل أيضا عند العرب في ورود الغارات والرزايا ونحو ذلك.
ثم كرر الله تعالى أمر نبيه صلّى الله عليه وسلّم بالإعراض عن هؤلاء المشركين إلى أجل آخر، يحين فيه هلاكهم، فسوف يرون ما يحل بهم من عقاب. وإعادة الأمر بالتولي أو الإعراض عن المشركين تحقيق لتأنيس النبي والعناية به.
وتنزيها لله ربك أيها الرسول تنزيها مطلقا عن جميع ما يمكن أن يصفه به أهل الضلالات، فالله هو رب العزة المطلقة، والمراد بالعزة هنا: أنه ربّ العزة المخلوقة الكائنة للأنبياء والمؤمنين. والتحية من الله على المرسلين. وتوفير الثناء الحسن الجميل آخر الدهر، لسلامة ما قالوه في ربهم وصحته وحقيقته، والحمد التام والشكر الكامل لله في الأولى والآخرة في كل حال، فهو سبحانه رب الثقلين: الإنس والجن، دون سواه. وهذا تعليم من الله للمؤمنين أن يقولوا ذلك.
أخرج ابن سعد وابن مردويه عن أنس عن أبي طلحة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:«إذا سلّمتم على المرسلين، فسلّموا علي، فإنما أنا بشر من المرسلين» .
والعزة في هذه الآية: ليست هي صفة الله تعالى، والتي من حلف بها كان ذلك يمينا، وإنما المراد بها عزته التي خلق بين عباده، فمن حلف بالعزة المخلوقة الكائنة للأنبياء والمؤمنين، فليس ذلك بيمين.