وعروبتهم، وقالوا لما رأوا معجزاته الباهرة: هذا ساحر خداع كذاب فيما يدعيه من النبوة. وهذا دليل على أنهم كذبوا الرسول من غير حجة ولا برهان.
ثم رد الله تعالى على شبهات ثلاث للمشركين تتعلق بالألوهية أو التوحيد، وبالنبوة، وبالمعاد. أما توحيد الإله: فلم يؤمنوا به وقالوا: أصير محمد الآلهة إلها واحدا، وهو الله؟ إن هذا لشيء غريب عجيب، بالغ النهاية في العجب. وانطلق أشراف قريش من مجلس أبي طالب قائلين: امضوا على ما كنتم فيه، واثبتوا على عبادة آلهتكم، واصبروا على التمسك بها. ما سمعنا بهذه الدعوة إلى توحيد الإله في آخر الملل وهي النصرانية، وما هذا إلا افتراء وكذب، لا حقيقة له، ولا مستند من الوحي والدين السماوي.
وأما النبوة: فأنكروا نبوة محمد قائلين: كيف ينزل القرآن على محمد دوننا، ونحن الرؤساء والأشراف؟ بل الحقيقة إنهم في شك من القرآن أو الوحي، وهذا الشك لأنهم لم يذوقوا العذاب الإلهي، فإذا تعرضوا له صدّقوا بالقرآن، وزال عنهم الشك، ولو ذاقوا العذاب، لتحققوا أن هذه الرسالة حق، أي إنهم لجهالتهم لا يبين لهم النظر، وإنما يبين لهم مباشرة العذاب.
فرد الله تعالى عليهم: بل إنهم باستبعادهم رسالة محمد صلّى الله عليه وسلّم، هل يملكون مفاتيح خزائن الله ونعمه البالغة ورحمته التي فيها الهدى والنبوة وكل فضل، والله هو المانح لهذه النعم الكثير المواهب، حتى يعطوا نعمة النبوة لمن يشاءون؟ والخزائن للرحمة:
مستعارة، كأن المعنى: موضع جمعها وحفظها. بل أهم يملكون السماوات والأرض وما بينهما من المخلوقات والعوالم، فإن فرض أنهم يملكون، فليصعدوا في المعارج التي توصلهم إلى السماء، حتى يحكموا بما يريدون من عطاء ومنع. إنهم حقيرون ذليلون، وما هم إلا جند مغلوبون هنالك حيث يتحزبون فيه على المؤمنين.