وسبب نزول هذه الآيات في أصح التأويلات: ما قاله ابن عباس رضي الله عنه: لما أسلم عبد الله بن سلام، وثعلبة بن سعنة، وأسيد بن سعية، وأسد بن عبيد، ومن أسلم من اليهود، قالت أحبار اليهود: ما آمن لمحمد إلا شرارنا، ولو كانوا من خيارنا لما تركوا دين آبائنا. وقالوا لهم: لقد خنتم حين استبدلتم بدينكم دينا غيره، فأنزل الله تعالى: لَيْسُوا سَواءً الآية.
والمعنى: ليس أهل الكتاب متساوين في العقيدة والأفعال، فمنهم أمة مستقيمة على طاعة الله، ثابتة على أمره، يتلون آيات الله، ويقرءون القرآن في ساعات الليل، ويصلون والناس نيام، ويناجون ربهم وغيرهم غافلون، وهم يؤمنون بالله واليوم الآخر إيمانا صادقا خالصا، ويخشون الله، ويرجون ثوابه وتجارة لن تبور، فهؤلاء مؤمنون حقا.
وهم في مجال الأخلاق والعمل الاجتماعي، يأمرون بالفضيلة والمعروف، وينهون عن الرذيلة والمنكر، ويبادرون إلى فعل الخيرات بسرعة وبلا تلكؤ أو إمهال، وهم قوم صالحون مثل عبد الله بن سلام وصحابته الذين أسلموا وصلحت أحوالهم وارتفعت درجاتهم. فهم بإسلامهم خيار، لا أشرار كما زعم اليهود، وأتقياء لا فجار، وعقلاء لا مجانين، إذ اختاروا الإيمان وتركوا الضلال.
وما يفعلون من الطاعات، فلن يحرموا ثوابه ويمنعوا جزاءه، ولا يتصور غير هذا في شريعة الإسلام العادلة، وعدل الله الشامل، فالله شكور لفعل عباده الأتقياء،