هذه آيات للعبر، وتعداد النعم، والاحتكام للواقع المشاهد، فالله تعالى جعل لكم أيها البشر الأنعام وهي الأزواج الثمانية من الإبل والبقر والغنم والمعز. فبعضها في الغالب للركوب كالإبل، وبعضها للأكل وحرث الأرض عليها كالبقر، وبعضها للأكل وشرب اللبن كالغنم، وكلها تتكاثر وتتوالد، ويستفاد من أصوافها وأوبارها.
فكلمة (منها) الأولى في قوله لِتَرْكَبُوا مِنْها للتبعيض لأن المركوب منها هو الإبل خاصة، وكلمة (منها) الثانية وَمِنْها تَأْكُلُونَ لبيان الجنس، لأن الجميع منها يؤكل، ولكم أيها البشر في الأنعام منافع أخرى غير الركوب والأكل من صوف وشعر ووبر، وزبد وسمن، وجبن وغير ذلك، ولحمل الأثقال على بعضها إلى البلاد النائية بيسر وسهولة، وعلى الإبل وغيرها في البر، وعلى السفن في البحر، تحملون وتنقلون من بلد إلى آخر.
والله تعالى يريكم أيها الناس عيانا هذه الآيات والبراهين في الآفاق والأنفس، والتي هي كلها ظاهرة دالة على كمال قدرته ووحدانيته، مما لا سبيل لإنكاره، فأي آية من آياته الباهرة تنكرون؟ إنها كلها مشاهدة مرئية، لا تستطيعون إنكارها، ففي كل شيء له آية تدل على وحدانيته، لذا فإنكم على سبيل التوبيخ كيف تنكرون آية منها؟
ثم احتج الله تعالى على قريش بما يظهر في الأمم السالفة من نقمات الله، مع أنهم كانوا أكثر عددا، وأشد قوة أبدان وممالك، وأعظم آثارا في المباني والأفعال من قريش والعرب. أفلم يسر هؤلاء المشركون المجادلون بالباطل في آيات الله، فينظروا في أسفارهم كيف كان مصير الأمم السابقة التي عصت الله تعالى، وكذّبت رسلها،