وقوله: جَمِيعاً مِنْهُ قال ابن عباس: كل إنعام فهو من الله تعالى. لذا أمر الله بمحاسن الأخلاق، فقل أيها النّبي للمؤمنين أتباعك بأن يعفوا ويصفحوا عن مؤذيات المشركين الذين لا يتوقعون عذاب الله ونعيمه، لعدم إيمانهم بالبعث، ليجزي الله أولئك المؤمنين، بما كسبوا في الدنيا من الأعمال الحسنة، التي منها الصبر على أذى الكافرين.
نزلت هذه الآية في صدر الإسلام، أمر الله تعالى المؤمنين فيها أن يتجاوزوا عن الكفار، وألا يعاقبوهم بذنب، بل يأخذون أنفسهم بالصبر عليهم والمصابرة لهم.
والآية تتضمن الغفران عموما.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: لما أنزلت مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً [البقرة: ٢/ ٢٤٥] . قال فنحاص اليهودي: احتاج ربّ محمد، تعالى الله عزّ وجلّ عن قوله، فأخذ عمر رضي الله عنه سيفه، ومرّ ليقتله، فردّه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال له: إن ربّك يقول: قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ..
وأيام الله معناه: أيام إنعامه ونصره ونعيمه في الجنة وغير ذلك. ويرجون: بمنزلة (يخافون) .
وقوله: لِيَجْزِيَ وعيد للكافرين.
ومضمون الآية: أن الله تعالى يجزي قوما بكسبهم، ويعاقبهم على ذنوبهم وإجرامهم، وأكّد ذلك بقوله تعالى: مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ ... أي إن كل عمل صالح يعمل به الإنسان، وهو مما أمر الله تعالى به، أو نهى عنه، يعمل به لنفسه ومصلحته، ومن أساء العمل باجتراح السيئات والمنكرات، فعلى نفسه جنى، ثم تعودون أيها البشر إلى الله يوم القيامة، فتعرضون بأعمالكم عليه، فيجزيكم عليها خيرها وشرّها. ويلاحظ أنه تعالى عبّر عن مجيء العمل الصالح باللام، والإساءة بعلى.