آسى الله تعالى أو آنس نبيه عن إعراض المشركين عن الإيمان، فطلب منه ألا يحفل بهم، ولا يهتم بأمرهم، فليس فيهم حيلة لبشر، لأن الله بسبب إمعانهم في الكفر أضلهم. ومعنى الآية: أخبرني عن حال هؤلاء المشركين الذين أطاعوا أهواءهم، واتخذوا دينهم ما يهوونه، فكأنهم جعلوا الهوى إلها يعبدونه من دون الله، فلا يهوى أحدهم شيئا إلا اتبعه، وخذلهم الله، عالما بضلالهم، لفساد استعدادهم وأحوالهم، وطبع الله تعالى على أسماعهم وقلوبهم، فلا يسمعون الوعظ، وجعل على أبصارهم غطاء، فلا يبصرون الهدى والحق، فمن الذي يرشدهم للصواب بعدئذ؟ أفلا تتذكرون وتتعظون أيها المشركون؟ والهوى: ما تريده النفس وتحبّه.
نزلت كما أخرج ابن المنذر وابن جرير الطبري عن سعيد بن جبير قال: كانت قريش تعبد الحجر حينا من الدهر، فإذا وجدوا ما هو أحسن منه، طرحوا الأول، وعبدوا الآخر، فأنزل الله: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ. وهذه الآية وإن كانت نزلت في هوى الكفرة، فهي متناولة جميع أهواء النفس الأمّارة بالسوء. وآية وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ.. قال مقاتل: نزلت في أبي جهل.
وهذه الآية لا حجة للجبرية فيها، لأن التكسب فيها منصوص عليه في قوله تعالى: اتَّخَذَ وفي قوله تعالى: عَلى عِلْمٍ أي على علم من هذا الضلال، فإن الحق هو الذي يترك ويعرض عنه، فهم معاندون مكابرون.
وقال المشركون الماديون، والدهريون المنكرون للبعث: ما في الوجود إلا هذه الحياة الدنيوية التي نحن فيها، وليست ثمّ آخرة ولا بعث، وما يهلكنا إلا طول الزمان