ثم وبّخ الله تعالى عبدة الأصنام، مبينا أنه لا أحد أضل ممن هذه صفته، بعبادة الأصنام من دون الله، فإنه يدعو من لا يسمع إلى يوم القيامة، والأصنام غافلون عمن دعاهم، لا يسمعون ولا يعقلون، لكونهم جمادات. والمراد: أنه ليس للأصنام قدرة على شيء، ولا علم لديها بشيء، فهي جمادات، وعبادة الجماد: محض الضلال، فهم لا يتأملون ما هم عليه في دعاء من هذه صفته.
وعبر عن الأصنام بقوله: وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ كخطاب العقلاء، معاملة لها كالعقلاء، في مزاعم أصحابها وعبدتها.
ومما يؤكد نفي العلم الدال على عبادة الأصنام: أنه إذا جمع الناس الكفار، [والأصنام يوم القيامة في موقف الحساب، كانت الأصنام لهم أعداء، تظهر التبري منهم والإنكار عليهم، وتصبّ اللعنة عليهم، وتقول كما حكى القرآن الكريم عنهم:
تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ [القصص: ٢٨/ ٦٣] وكانت الأصنام جاحدين مكذبين بتلك العبادة. وكذلك تتبرأ الملائكة والمسيح عيسى ابن مريم وعزير والشياطين ممن عبدوهم يوم القيامة.
إن العقل الإنساني السوي، وعزة الإنسان وكرامته، يأبى كل ذلك الخضوع الإرادي لصنم أو وثن، لا يضر ولا ينفع، ولا يعقل ولا يسمع، ولا يفهم ولا يستجيب لشيء، ومع كل هذه الأدلة القاطعة والبراهين المحسوسة يظل البدائيون في بعض البلاد الإفريقية وغيرها عاكفين على أصنامهم في القرن العشرين، على الرغم من دراساتهم العلمية في الجامعات الأمريكية والأوربية، بعد عودتهم لبلادهم، كما هو مشاهد ومعروف.