وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ هم الأنصار، أما أهل مكة فأخرجوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من بلده، والأنصار أهل المدينة آووه، ثم هي بعد تعمّ كل من دخل تحت ألفاظها.
المعنى: الذين جحدوا توحيد الله وآياته، وعبدوا غيره، وصدّوا غيره عن الإسلام، بنهيهم عن الدخول فيه، وهم كفار قريش، أبطل الله ثواب أعمالهم وأحبطها وضيّعها، ولم يجعل لها ثوابا ولا جزاء في الآخرة، فقوله تعالى: أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ أي أتلفها، ولم يجعل لها غاية خير، ولا نفعا. وهذا يشمل جميع أعمال الكفار البرّة في الجاهلية، من صلة الرحم ونحوه، والإنفاق الذي أنفقوه في سفرهم إلى بدر، ومثلها أعمال الكفار في كل زمان. وذلك كما في آية أخرى: وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (٢٣)[الفرقان: ٢٥/ ٢٣] .
وأما الذين صدّقوا بالله ورسوله وبالقرآن، وعملوا صالح الأعمال، واعتقدوا بالحق المنزل من ربهم، فيكفّر الله عنهم سيئاتهم، ويصلح شأنهم وحالهم في الدنيا والآخرة، ويغفر لهم سيئاتهم، ويرشدهم إلى أعمال الخير في الدنيا، ويمنحهم نعيم الجنة في الآخرة. وهذا يشمل المهاجرين والأنصار وغيرهم من التابعين لهم بإحسان، والمؤمنين الذي يعملون الصالحات: وهي الفرائض والواجبات، وبقية أعمال البر.
وقوله: وَأَصْلَحَ بالَهُمْ معناه حالهم، أو أمرهم، أو شأنهم، وأصل معنى هذه اللفظة: أنها بمعنى الفكر، وموضع نظر الإنسان وهو القلب، فإذا صلح ذلك فقد صلحت حاله، فكأن اللفظة مشيرة إلى إصلاح عقيدتهم وغير ذلك تابع.
ثم أوضح الله تعالى أن سبب إضلال الكافرين، وإصلاح وإسعادهم: المؤمنين هو أفعال كل منهم، فالجزاء المتقدم للفريقين بسبب اتباع الكافرين الباطل، من الشرك بالله، والعمل بمعاصيه واختيارهم على الحق، وإصغائهم للشيطان وكل ما