تركتم أماكنكم؟ فقالوا: نخشى أن يقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: من أخذ شيئا من مغنم فهو له، وألا يقسم الغنائم كما لم يقسمها يوم بدر، فقال لهم النبي صلّى الله عليه وسلّم: ألم أعهد إليكم ألا تتركوا المركز حتى يأتيكم أمري؟ فقالوا: تركنا بقية إخواننا وقوفا، فقال لهم: بل ظننتم أننا نغل- أي نخون- ولا نقسم، أي الغنيمة.
ومعنى الآيات: أن الله قد عصم أنبياءه من ارتكاب بعض الدناءات، فلا يصح ولا يليق بمكانة نبي أن يأخذ شيئا من الغنائم، لأن النبي هو المثل الأعلى في الخلق والكرامة للناس جميعا، ومن أخذ شيئا في الدنيا بغير حق، عوقب عليه في الآخرة، ولا يظلم ربك أحدا بمؤاخذة من غير ذنب.
ولا يعقل في ميزان الحق والعدل أن يسوّى بين الطائع والعاصي، والمحسن والمسيء: أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ. [آل عمران: ٣/ ١٦٢] . والعدل يقضي أيضا بتفاوت درجات المحسنين، وتباين منازلهم، فمنازلهم في الجنة بعضها أعلى من بعض في المسافة أو التكرمة، وكذلك المسيئون يعذبون في جهنم بألوان مختلفة من العذاب بحسب تفاوتهم في السوء وارتكاب الفواحش والمنكرات، فهم في دركات متفاوتة من النار.
وكان من أعظم النعم على المؤمنين: بعثة النبي المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، إذ أرسله ربه رحمة للعالمين، وكان من بين العرب قومه، فهو من جنسهم، وهو عربي من ولد إسماعيل، فجدير بقومه العرب أن يكونوا سبّاقين إلى الإسلام، والتصديق برسالة النبي صلّى الله عليه وسلّم، ورسالته إصلاح وإنقاذ لهم وللبشرية جمعاء، يرشدهم إلى الإيمان الحق بالله عز وجل وينقذهم من ظلمات العقائد والأخلاق الفاسدة إلى نور الهداية الربانية والخصال الكريمة والمبادئ القويمة، ويتلو عليهم آيات القرآن الدالة على قدرة الله تعالى ووحدانيته وعلمه وكمال صفاته، مثل قوله سبحانه: