ثم أكّد الله تعالى المطالبة بالتّأسّي بإبراهيم والمؤمنين معه، فلقد كان لكم في إبراهيم والمؤمنين معه قدوة حسنة، لمن كان يطمع في الخير والثواب من الله، في الدنيا والآخرة، ويتأمّل النجاة في اليوم الآخر، ومن يعرض عما أمر الله تعالى به، ويوال أعداء الله ويوادّهم، فإنه لا يضرّ إلا نفسه، فإن الله هو الغني عن خلقه، المحمود: المستحقّ الحمد من جميع مخلوقاته بما أنعم عليهم.
ولما نزلت هذه الآيات، وصمم المؤمنون على قطع الصّلات بالكفار وإظهار عداوتهم، تأسّفوا على قراباتهم أن لم يؤمنوا ولم يهتدوا، حتى يبقى بينهم الودّ والتّواصل، فنزل قوله تعالى: عَسَى اللَّهُ الآية مؤنسة لهم في ذلك، ومرجّية أن يقع، فأسلموا في فتح مكة، وصار الجميع إخوانا.
والمعنى: ربّما أسلم أعداؤكم، وصاروا من أهل دينكم، فتحوّلت العداوة إلى مودّة، والبغضاء إلى محبة، والله قادر على كل شيء، وغفور لمن أخطأ، فوادّهم، واسع الرّحمة بهم، فلم يعذّبهم بعد التوبة.
ثم سامح أو رخّص الله في مواصلة الكفار الذين لم يقاتلوا المؤمنين ولم يطردوهم من ديارهم، فلا يمنعكم الله من فعل الخير مع الكفار الذين سالموكم ولم يقاتلوكم في الدين كالنساء والضعفاء منهم، ولم يخرجوكم من دياركم، ولا يمنعكم أيضا من أن تحكموا بينهم بالعدل، إن الله يرضى عن العادلين.
نزلت هذه الآية- كما
أخرج أحمد والبخاري ومسلم- في أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، حين استأذنت النّبي صلّى الله عليه وسلّم في صلة أمها وإعطائها شيئا من المال، وهي مشركة، فقال:«نعم، صلي أمك» ، فأنزل الله فيها: لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ..
والقصد من الآية: أن الله تعالى لا ينهى عن برّ المعاهدين من الكفار الذين عاهدوا المؤمنين على ترك القتال، وعلى ألا يعينوا عليهم.