أخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في البعث وابن مردويه عن البراء: أن رهطا من اليهود سألوا رجلا من أصحاب النّبي صلّى الله عليه وسلّم عن خزنة جهنم، فجاء، فأخبر النّبي صلّى الله عليه وسلّم، فنزل عليه ساعتئذ: عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ (٣٠) .
ولم نجعل خزنة النار وزبانيتها القائمين بالتعذيب إلا ملائكة غلاظا شدادا، ولم نجعلهم رجالا تمكن مغالبتهم، ولم نجعل عددهم تسعة عشر إلا اختبارا منّا للناس، وسبب محنة وإضلال للكافرين، حتى قالوا ما قالوا، ليتضاعف عذابهم، وقوله:
فِتْنَةً أي سبب فتنة للكفار، وفتنتهم: كونهم أظهروا مقاومتهم، والطمع في مغالبتهم، وذلك على سبيل الاستهزاء، فإنهم مكذّبون بالبعث وبالنار وبخزنتها.
وجعل الله هذا العدد ليتيقن أهل الكتاب (وهم اليهود والنصارى) أن الرسول حق، فإنه جاء ناطقا بما يطابق كتبهم السماوية السابقة، فإن فيها أن عدّة خزنة جهنم تسعة عشر، ولكي يزداد إيمان المؤمنين، ولا يشك أهل الكتاب من اليهود والنصارى والمؤمنون بالله تعالى ورسوله، في صحة وحقيقة هذا العدد وفي دين الله، وليقول المنافقون الذين في قلوبهم شكّ وريب، في صدق النّبي صلّى الله عليه وسلّم، ومعهم الكافرون من أهل مكة وغيرهم: أي شيء أراد بهذا العدد المستغرب استغراب المثل، وما الحكمة في ذكر هذا العدد هنا؟ مثل ذلك المذكور من الإضلال والهداية، يضلّ الله من يريد، بخذلانه عن إصابة الحق، لسوء استعداده، ويهدي إلى الحق والإيمان من يريد، بتوفيقه إلى الصواب، وليس في ذلك إجبار على الضلالة والهدى، لمنافاته للعدل الإلهي. وما يعلم أنصار الله وأعوانه إلا الله وحده، وما سقر وصفتها إلا تذكرة وعظة للناس، ليعلموا كمال قدرة الله.
روي أن الحارث بن كلدة الجمحي قال: أنا أكفيكم سبعة عشر، واكفوني أنتم اثنين، فنزل قوله تعالى: وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً أي لم نجعلهم رجالا تستطيعون مغالبتهم.