ما الذي حصل لهم حال كونهم معرضين عن القرآن الذي هو التذكرة والموعظة؟
كأنهم في نفورهم عن الحق وإعراضهم عنه، من حمر الوحش إذا فرّت من رماة يرمونها، أو من أسد يريد افتراسها. وجمهور اللغويين على أن القسورة: الأسد.
وقيل: الرجال الأشداء.
أخرج البخاري ومسلم وأحمد حديث الشفاعة، وهو طويل، وفيه:«تشفع الملائكة، ثم النّبيون، ثم العلماء، ثم الشهداء، ثم الصالحون، فيشفّعون، ثم يقول الله تعالى: شفع عبادي، وبقيت شفاعة أرحم الرّاحمين، فلا يبقى في النار من له إيمان» .
ومن صور عناد الكافرين: ما وصف الله تعالى: بل يريد كل واحد من هؤلاء المشركين أن ينزل عليه كتاب، كما أنزل على النّبي صلّى الله عليه وسلّم، فهم قد بلغوا من العناد حدّا تجاوزوا به أقدارهم. كلا (كلمة زجر وردع لهم) على اقتراحهم إنزال تلك الصحف المفتوحة المبسوطة، فلا يؤتونها، وهم في الحقيقة منكرون للبعث والحساب، لأنهم لو خافوا النار لما اقترحوا الآيات.
وكفاهم القرآن كتابا، حقّا إن القرآن تذكرة كافية لهم، فإنه خير تذكرة وموعظة، فمن أراد أن يذكره ويتّعظ به، اتّعظ واعتبر.
ولا يقع شيء في هذا الكون قهرا عن الله، لأنه المالك وصاحب السلطان، فما يذكرون القرآن ويتّعظون به إلا بمشيئة الله تعالى، الجدير بالتقوى، أي بأن يتّقيه ويخاف منه المتّقون، بترك معاصيه، والعمل بطاعاته. وهو أيضا الجدير بأن يغفر للمؤمنين ما فرط منهم من الذنوب، وبأن يقبل توبة التائبين من العصاة.
أخرج الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه والنّسائي عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم فسّر هذه الآية، فقال:«يقول لكم ربّكم جلّت قدرته وعظمته: أنا أهل أن أتّقى، فلا يجعل معي إله غيري، ومن اتّقى أن يجعل معي إلها غيري، فأنا أغفر له» .