أنزل الوحي، يحرّك به لسانه، يريد أن يحفظه، فأنزل الله: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) الآية.
كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حرصا منه على القرآن الموحى به إليه، يبادر إلى حفظه وترداده، ويسابق الملك في قراءته، ويحرّك شفتيه ولسانه بالقرآن، إذا أنزل عليه، قبل فراغ جبريل من قراءة الوحي، فنزلت هذه الآية.
ومعناها: لا تحرّك بالقرآن لسانك عند إلقاء الوحي، لتأخذه على عجل، مخافة أن يتفلت منك، كما جاء في آية أخرى: فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً [طه: ٢٠/ ١١٤] .
إن علينا جمعه في صدرك، حتى لا يذهب عليك منه شيء، وعلينا إثبات قراءته في لسانك على الوجه القويم. فإذا أتممنا قراءته عليك بلسان جبريل عليه السّلام، فاستمع له وأنصت، ثم اقرأه كما أقرأك، وكرره حتى يرسخ في ذهنك. والقرآن: مصدر كالقراءة.
ثم إننا بعد حفظه وتلاوته، نفسّر لك ما فيه من الحلال والحرام، ونبيّن أو نوضّح لك ما أشكل منه، ونلهمك معناه كما أردناه وشرعنا، أي علينا تبيينه وتحفيظه لك.
إن هذه الآيات الأربع اشتملت على أحوال ثلاث: هي جمعه في صدره وحفظه، في الآيتين الأولى والثانية، وتلاوته وتيسير أدائه كما أنزل، في الآية الثالثة، وتفسيره وبيانه في الآية الرابعة. ثم أوضح القرآن الكريم حال منكر البعث، فوبّخه وقرّعه على إنكار البعث، وبيّن له سبب الإنكار، وهو:
كلا (كلمة ردع وزجر) أي أردعكم عما تقولون أيها المشركون من إنكار البعث، فإن الذي يحملكم على التكذيب بيوم القيامة، ومخالفة ما أنزله الله تعالى على رسوله، من الوحي الحق والقرآن العظيم، وسبب إنكاركم، هو محبّتكم دار الدنيا العاجلة، وتشاغلكم عن الآخرة، وترك العمل لها. وهذه الآية كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ