فأخبرهم أيها النبي بما أعد الله لهم من عذاب مؤلم، واستعمل تعبير البشارة بدلا عن الخبر بالعذاب تهكما بهم واستهزاء منهم.
ثم استثنى الله تعالى من كفار قريش القوم الذين كانوا سبق لهم الإيمان في قضائه، والمعنى: لكن الذين آمنوا بالله ورسوله واليوم الآخر، وخضعوا للقرآن الكريم، وعملوا بما جاء به، والتزموا صالح الأعمال، لهم في الدار الآخرة أجر أو ثواب غير مقطوع ولا منقوص، ولا يمن به عليهم. كما جاء في آية أخرى: عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ [هود: ١١/ ١٠٨] . والاستثناء منقطع في رأي الزمخشري، وقال أكثر المتأولين:
معناه إلا من تاب منهم وعمل صالحا، فله الثواب العظيم. وفي هذا ترغيب بالإيمان والطاعة وزجر عن الكفر والمعصية.
دلت الآيات على أن القادر على تغيير أفلاك السماء من حال إلى حال قادر على البعث وإحياء الإنسان بعد موته، والشواهد والأدلة الكونية ناطقة كلها على قدرة الله على ذلك. إلا أن الكافرين يكذبون بلا حجة ولا برهان، فيكونون جديرين باستحقاق العذاب الأليم، والعذاب حق وعدل، إذ لا يعقل التسوية بين المؤمن الطائع، والكافر العاصي.
وما أجمل الأنس بوعد الله تعالى والتذكير برحمته، حين يجد الإنسان بعد إشاعة جو العذاب والتهديد والوعيد غرس الأمل بالرحمة، لذا كان الأسلوب القرآني في غاية الروعة والبيان، حين يقرن الكلام عن العذاب، بالكلام عن النعيم والرحمة والإحسان، إما قبل أخبار العذاب، أو بعد الإخبار به، فترتاح النفوس وتطمئن القلوب، وتتفتح أبواب الأمل في فكر الإنسان وتذكيره بضرورة العودة إلى جادة الاستقامة والإيمان والتزام العمل الصالح.