ثم وصف الله تعالى النار بأوصاف ثلاثة، وأخبر بها خبرا دائما عاما، وهي:
- التي تعلو وتصل إلى القلوب وتغشاها بحرها الشديد، وتحرقهم وهم أحياء، وتتجدد الحياة ويدوم العذاب، والقلوب أشد أجزاء البدن تألما، وخصت بالذكر، لأنها محل العقائد الزائغة، والنيات الخبيثة، وسوء الأخلاق من الكبر واحتقار الناس، والأعمال القبيحة.
- وهي عليهم مطبقة، مغلقة عليهم أبوابها جميعا، فلا منافذ، ولا يستطيعون الخروج منها، كما جاء في آية أخرى: عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ [البلد: ٩٠/ ٢٠] . وقال الله تعالى مبينا استمرار بقائهم فيها: كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها [الحج: ٢٢/ ٢٢] . قال علي رضي الله عنه: أبواب النار بعضها فوق بعض.
- وهي أيضا كائنة ثابتة في أعمدة ممددة طويلة موثّقة، قال مقاتل: أطبقت الأبواب عليهم، ثم شدّت بأوتاد من حديد، فلا يفتح عليهم باب، ولا يدخل عليهم روح، قال ابن زيد: المعنى: في عمد حديد مغلولين لها، والكل من نار.
والآية تفيد المبالغة في العذاب، بقوله تعالى: لَيُنْبَذَنَّ أي أنه موضع، له قعر عميق جدا كالبئر، وأن أبوابها لا تفتح ليزيد في حسرتهم، وتغلق إغلاقا محكما، للتيئيس من الخروج منها، وممددة في أعمدة دائمة اللهب، فلا أمل في إطفائها أو تخفيف شدة حرارتها.
إن من يشاهد أفران النار للتوتر العالي، أو مراكز الطاقة الذرية المتفجرة، أو البراكين التي تظهر فيها المعادن والحجارة منصهرة كالماء السيّال أو النيران المتآكلة، يفزع كل الفزع، ويهرب من غير وعي ولا عقل، فكيف بنيران جهنم التي هي أشد من جميع نيران الدنيا؟! ونار الدنيا جزء من سبعين أو مائة جزء من نار الآخرة، عافانا الله منها.