النفع، وهو غير واجب، فجمع الله تعالى بين النعمتين العظيمتين، جمعا بين الواجب وغيره، لتحقيق الكمال والإتمام، وأمرهم ربهم بعبادته والعبودية له، وأداء الشكر على ذلك، بقوله: لْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ
(٣) .
والعبادة: هي التذلّل والخضوع للمعبود على غاية ما يكون، وهي تحقّق معنى العبودية. ثم ذكر الله تعالى نعما أخرى على قريش، صادرة من الله تعالى وهي:
- أنه ربّ البيت هو الذي أطعمهم من جوع، ووسّع لهم في الرزق، ويسّر لهم سبيله، بسبب هاتين الرّحلتين، فخلّصهم من جوع شديد كانوا فيه قبلهما.
- وتفضّل عليهم بالأمن والاستقرار، فليفردوه بالعبادة وحده لا شريك له، ولا يعبدوا من دونه صنما ولا وثنا، ولا شيئا آخر مما يعظّمونه.
قال ابن كثير: ولهذا من استجاب لهذا الأمر، جمع الله له بين أمن الدنيا وأمن الآخرة، ومن عصاه سلبهما منه، كما قال الله تعالى: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (١١٢) وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ [النّحل: ١٦/ ١١٢- ١١٣] .
وكانت العرب يغير بعضها على بعض، ويسبي بعضها بعضا (يسترقونهم) ، فأمنت قريش لمكان الحرم، كما آمنهم الله من خوف الحبشة مع الفيل، قال الله تعالى:
فمن تأمين الله لقريش كما يبدو في الآية: أنه آمنهم من خوف التّخطف في بلدهم ومسايرهم، والذي كان ظاهرة شائعة في القبائل العربية الأخرى المجاورة. ومن التأمينات الإلهية لهم أيضا: تأمينهم من خوف الجذام والطاعون، فلا يصيبهم في بلدهم، فضلا من الله تعالى ونعمة.