النبي صلّى الله عليه وسلّم الدية، فقبلها، ثم وثب على قاتل أخيه، فقتله، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: لا أؤمنه في حل ولا حرم، فقتل يوم الفتح- فتح مكة،
وفيه نزلت هذه الآية: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً ...
ومعنى الآيتين: أن من شأن إيمان المؤمن بالله ورسوله أن يمنعه من ارتكاب الفواحش والمنكرات، ومن أخطرها الاعتداء على النفوس البشرية بغير حق، والمؤمن يشعر بحقوق الله عليه وبحقوق إخوانه المؤمنين، ويدرك أن سفك الدم الحرام جريمة عظمي، واعتداء خطير، وكأنه قتل للناس جميعا. قال تعالى: مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً [المائدة: ٥/ ٣٢] .
لكن إذا حدث القتل خطأ، فعلى القاتل عقاب، لأن الخطأ ينشأ من التهاون وعدم الاعتناء والاحتياط، وعقاب القتل الخطأ شيئان: كفارة للقتل وهي عتق رقبة مؤمنة، لأنه أعدم نفسا فيحيي نفسا أخرى بالتحرير، والعقاب الثاني: تسليم دية إلى ورثة القتيل عوضا عن دمه، وإطفاء لنار الغيظ والحقد، وإزالة للعداوة والبغضاء، والدية مائة من الإبل، أو ألف دينار ذهبا، أو عشرة آلاف درهم فضة، وهذا رقم مالي كبير في عصرنا الحاضر. فإن لم يجد الشخص الرقبة أو ثمنها كما في وقتنا الحاضر حيث اتفق العالم بمعاهدات دولية على إنهاء الرق وتحريمه، فحينئذ يجب على القاتل خطأ كما في حوادث السيارات صيام شهرين متتابعين، رعاية لحق الله تعالى أو الحق العام، والدية واجبة لكل مسلم أو غير مسلم معاهد، أما القتيل المؤمن المقيم مع الأعداء، فلا يعطى لورثته مال حتى لا يحاربونا به، ويكتفى بالكفارة وهي عتق رقبة مؤمنة أو صيام شهرين متتابعين، فإن كان القتيل مقيما في دولة معاهدة كحال العلاقات الدولية الآن، فالواجب دية مسلّمة إلى أهله، احتراما للعهود والدماء، وكفارة.