ومن فضل الله وكرمه أنه استثنى أصحاب الأعذار من تكليف الجهاد، وهم أولو الضرر، أي المرض ونحوه، كالعميان والعرجان والزمنى (المصابين بمرض مزمن) وغيرهم من ذوي العاهات والأعذار المبيحة لترك الجهاد، فهؤلاء لا لوم عليهم ولا عتاب لهم، لتوافر نياتهم الطيبة بالجهاد عند القدرة،
روى البخاري وأحمد وأبو داود أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال عند دخوله المدينة بعد غزوة تبوك:«إن بالمدينة أقواما ما سرتم من مسير، ولا قطعتم من واد إلا وهم معكم فيه، قالوا: يا رسول الله، وهم بالمدينة؟! قال: نعم وهم بالمدينة، حبسهم العذر»
فهذا تزكية من النبي صلّى الله عليه وسلّم وقبول لعذر هؤلاء المعذورين.
وحينئذ يكون القعود عن الجهاد مذموما حيث لا عذر يمنع منه، ويكون للمجاهدين المخلصين في جهادهم منازل رفيعة في غرف الجنان العاليات، يصعب في تقدير الناس في الدنيا حصرها وعدها، كما قال الله تعالى: انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (٢١)[الإسراء: ١٧/ ٢١] .
والتفاضل في الدرجات مبني على مدى قوة الإيمان، وإيثار رضا الله على الراحة والنعيم، وترجيح المصلحة العامة على المصلحة الخاصة،
جاء في صحيحي البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:«إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض»
وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من رمى بسهم فله أجره درجة، فقال رجل: يا رسول الله، وما الدرجة؟ فقال: أما إنها ليست بعتبة أمك، ما بين الدرجتين مائة عام» .