للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد ما رأوا الآيات الباهرة ومعجزات موسى الظاهرة من عبور الإسرائيليين البحر، وإغراق عدوّهم فرعون وجنوده، وانقلاب العصا حية، واليد البيضاء، وذلك سلطان مبين لموسى عليه السلام أي حجة ظاهرة، ثم عفا الله عنهم بما امتحنهم به من القتل لأنفسهم وقتل بعضهم بعضا، حتى قيل لهم: كفّوا، فكان ذلك شهادة للمقتول، أي استشهادا، وتوبة للحي.

وكان من عجائب أحوالهم وأساليب تأديبهم: أن الله تعالى رفع فوقهم جبل طور سيناء، كأنه ظلّة، وهم في واد، بسبب ميثاقهم أن يعملوا بالتوراة، فامتنعوا من التزام أحكام الشريعة، وأبو إطاعة موسى عليه السّلام، فأجبروا على الطاعة قهرا، وجعلوا ينظرون إلى فوق رؤوسهم خشية أن يسقط الجبل عليهم. وأمروا أن يدخلوا باب بلدة سجّدا طائعين خاضعين، شكرا لله تعالى على نعمه وأفضاله، وهو نوع من سجدة الشكر التي فعلها كثير من العلماء، ورويت مشروعيتها عن نبيّنا محمد صلّى الله عليه وسلّم.

وأوصاهم الله بالتزام حرمة يوم السبت، فلا يعملوا فيه عملا دنيويا، ولا يتجاوزوا حرمته، فخالفوا واحتالوا بحيلتهم المعروفة في صيد الأسماك، من طريق بناء الأحواض على شاطئ البحر ليبقى السمك محجوزا فيها أثناء المدّ والجزر البحري.

وأخذ الله عليهم ميثاقا غليظا: وهو ما جاء على لسان موسى وهارون وغيرهما من الأنبياء بأنهم يأخذون التوراة بقوة ويعملون بجميع ما فيها، فخالفوا وعصوا وتحايلوا على ارتكاب ما حرم الله عليهم.

وقد عذّبهم الله ولعنهم وأذلّهم بمجموع عدة أمور: هي نقض ميثاق العمل بالتوراة، وكفرهم بآيات الله الدّالة على صدق أنبيائه، وقتلهم الأنبياء بغير ذنب كزكريا ويحيى عليهما السلام، وقولهم: قلوبنا مغلفة بغلاف، فلا يصل إليها شيء من دعوة الأنبياء، ولكن الله ختم عليها فلا يصلها خير، ولا ينفذ إليها الإيمان،

<<  <  ج: ص:  >  >>