مودة النصارى للمؤمنين: وجود قسّيسين (علماء) ورهبان (عبّاد) يدعون للإيمان والفضيلة والتّواضع والزهد والتّقشف، ولا يستكبرون عن سماع الحق والإنصاف والانقياد له.
وإذا سمع هؤلاء النصارى شيئا من القرآن، بكوا بكاء حارّا تعاطفا مع كلام الله وتأثّرا به وبما عرفوا وعلموا من الحق، والبشارة ببعثة محمد صلّى الله عليه وسلّم، وتراهم يبادرون بصحة دعوة محمد صلّى الله عليه وسلّم وبوحدانية الله.
ثم أكّدوا قولهم فقالوا: ولا مانع يمنعنا من الإيمان بالله واتّباع الحق الذي نجده في القرآن، ونطمع أن يدخلنا ربّنا الجنّة، بصحبة الصالحين أتباع خاتم النّبيين الذين ثبت صلاحهم وصحة إيمانهم.
وكانت هذه المبادرة الطيبة منهم في الماضي والمتكررة أحيانا في كل عصر سببا لإثابة الله لهم ومجازاتهم بدخول الجنات التي تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم وظلّها، وذلك جزاء المحسنين أعمالهم في أتّباعهم الحق وانقيادهم له، مهما كان مصدره. ونعيم الآخرة نعيم لا نتمكّن في دنيانا من معرفة حقيقته وأوصافه، لقوله تعالى: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٧)[السّجدة:
٣٢/ ١٧] .
أما الذين كفروا بوجود الله ووحدانيته وكذّبوا بآيات الله وخالفوها، وعادوا رسالة القرآن والتوحيد، فأولئك هم أهل النار الداخلون فيها، والمقيمون فيها إقامة دائمة.
يلاحظ كل إنسان بعيد النظر راجح العقل والفكر الفرق الواضح بين ثواب المؤمنين الصالحين وهو جنان الخلد، وجزاء الكافرين العصاة وهو الخلود في نار جهنم، وذلك الفرق وحده كفيل بالرّدع والرّهبة والخوف الذي يملأ النفوس خشية من سوء المصير الذي ينتظر كل من لم يؤمن بالقرآن العظيم وبرسالة الإسلام المجيدة.