وكان جزاء المخالفة من إبليس وعصيانه أن أمر الله تعالى إبليس بالهبوط من الجنّة التي خلقه الله فيها، وكانت على مرتفع من الأرض، وما ينبغي لأحد أن يتكبّر في جنّة الكرامة والسعادة التي لا مجال فيها للتّكبّر والشّقاء والعصيان. وأخرجه الله من الجنّة صاغرا ذليلا مهينا، معاملة له بنقيض مقصوده، ومكافأة له بضدّ مراده.
ثم استدرك إبليس على الطّرد من الجنّة بطلب إنظاره (إمهاله) إلى يوم البعث الذي يبعث الله فيه آدم وذرّيّته، ليتمكّن من الثّأر من البشر بالإغواء والوسواس، وليشهد حياة البشر وانقراضهم، ثم بعثهم للحساب والجزاء. فأمهله الله وأجّله إلى وقت النّفخة الأولى حيث تصعق الخلائق، وهي نفخة الفزع والرعب، وعندها يموت إبليس أي بعد النفخة الأولى.
ولما أمهل الله إبليس إلى يوم البعث، لجأ إلى العناد والتّمرد، وإضلال الناس، فصمم على تنفيذ غرضه، لئلا يعبد الناس ربّهم ولا يوحّدوه بسبب إضلال الله له، ووسيلته هي التزيين للمعاصي. وقال إبليس: لأقعدن للبشر على الطريق القويم، ث م لا أدع جهة من الجهات الأربع إلا أتيتهم منها، ولا تجد أكثرهم شاكرين لنعمة الله، ولا مطيعين أوامر الله، وذلك مجرد وهم وتأمّل وتمنّيات باطلة.
ثم أكّد الله تعالى إنزال اللعنة على إبليس، والحكم عليه بالطّرد والإبعاد مذموما (معيبا) مدحورا (مطرودا مبعدا من رحمة الله) . وأقسم الله تعالى على أن من تبع إبليس من الآدميين فيما يزينه من الشرك والفسوق والعصيان، لتملأن منهم جهنّم، هم وأتباعهم جميعا دون استثناء ولا تخفيف إلا عباد الله المخلصين الذين لا يصغون لنداء الشيطان، ويتمسكون بأمر الرحمن. وذلك كما ورد في آية أخرى: قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً (٦٣) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ