وسبب عقاب تلك الأقوام هو تكذيب الرّسل، فبالرغم من أنهم أقاموا لهم الحجج على صدقهم فيما أخبروهم به، ما كانوا ليؤمنوا بما جاءتهم به الرّسل بسبب تكذيبهم بالحقّ من قبل مجيء الرّسل وعند ورودهم عليهم، في بدء الدعوة إلى التوحيد وعبادة الله، ومن قبل مجيء المعجزات، فظلّوا على حالهم، ولم تؤثر فيهم الآيات الدّالة على صدق الرّسل، ولم يؤمنوا لآخر أعمارهم بما كذّبوا به أولا حين جاءتهم الرّسل، أي إنهم استمرّوا على التكذيب من وقت مجيء الرسل إليهم إلى أن ماتوا مصرّين على كفرهم وعنادهم، مع تكرار المواعظ عليهم وتتابع الآيات.
وكما طبع الله على قلوب كفار الأمم الخالية، يطبع الله على قلوب الكافرين الذين سبق في علم الله ألا يؤمنوا أبدا.
إن اللّجاج في الكفر والإصرار عليهم هو الذي حجب عنهم النور الإلهي، ولم يوفقهم الله إلى الإيمان بسبب أنهم كذبوا من قبل، فكان تكذيبهم سببا لأن يمنعوا الإيمان بعد.
ثم أخبر الله تعالى أنه لم يجد لأكثر الناس ثباتا على العهد الذي أخذه على ذرية آدم، وقت استخراجهم من ظهره، ولم يعملوا عقولهم في الآيات الدّالة على وجود الله وتوحيده وصدق رسله، ولم يشكروا نعم الله، ولا قادتهم معجزات الأنبياء إلى الإقرار بالحق والاعتراف بالواقع.
لم يجد الله لأكثر البشر التزام عهد، وقبول وصية، ووفاء بما أقرّوا به سابقا وهم في عالم الذّر، وبما أودع فطرتهم وعقولهم من الوسائل الكفيلة بإرشادهم إلى الحقّ والصّواب والإيمان بالله واليوم الآخر، إنهم لم يوفوا بعهد الفطرة الذي عاهدهم الله وهم في صلب آدم، ولا بعهد الشّرع الإلهي بالإيمان وأداء التكاليف، ولا بالعهد المتعارف عليه بأداء الالتزامات والشروط واحترام العقود التي يبرمونها فيما بينهم،