إفساد رعيتك، بإدخالهم في دينهم، أو جعلهم تحت سلطانهم وقيادتهم، ودعوتهم إلى عبادة ربهم دونك، وتركك مع آلهتك، فلا يعبدونك ولا يعبدونها كما أمرت وشرعت؟! فقال فرعون متأثرا بهذا التحريض: سنقتل أبناء الإسرائيليين، ونبقي نساءهم أحياء للمتعة والخدمة، فلا يتكاثرون، كما كنا نفعل قبل ولادة موسى، ليعلموا أننا عليهم قادرون، وفوقهم قاهرون، وهذا يقتضي تحقير أمرهم، أي هم أقل من أن يؤبه بهم. جاء في آية أخرى: وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ (٢٦)[غافر: ٤٠/ ٢٦] .
الأمر الثاني- أنه حين سمع الإسرائيليون بتهديد فرعون، فزعوا وجزعوا وتضجروا، فقال لهم موسى مطمئنا ومثبتا ومقويا نفوسهم وواعدهم ما عند الله:
اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا فالله هو المعين على الشدائد، الدائم الباقي، القادر على كل شيء، والصبر سلاح المؤمن، واعلموا أن الأرض أرض الدنيا يورثها من يشاء من عباده، وأن العاقبة للمتقين ربهم، الخائفين من عذابه، الطامعين في رحمته، والنصر للمؤمنين، لا كما يظن فرعون وقومه. والصبر في هذه الآية يعمّ الانتظار الذي هو عبادة، والصبر في المناجزات والأزمات.
لكن الوصية لم تؤثر في الإسرائيليين، لشدة فزعهم من فرعون وقومه، فقالوا لموسى: أوذينا من قبل مجيئك وقبل ولادتك، ومن بعد إرسالك، وفعلوا بنا ما رأيت من الذل والهوان، فقتلوا أولادنا، وعذبونا، وتعود المأساة اليوم بعد مجيئك، كما تسمع من الوعيد والتهديد.
فأجابهم موسى بما يتناسب مع قلة يقينهم وصبرهم على الدين: لعل الله ينصركم ويهلك عدوكم فرعون، ويستخلفكم بعده في الأرض، ويجعلكم سادة. وهذا كله