وقال أبو الضحى: لما نزلت هذه الآية: وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ تعجّب المشركون، وقالوا: إله واحد؟ إن كان صادقا فليأتنا بآية، فأنزل الله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إلى آخر الآية المذكورة.
أرشدت آية التوحيد السابقة إلى أن الإله الذي يعبد هو واحد لا شريك له، فلا معبود بحق في الوجود إلا هو، وهو الرّحمن الرّحيم بخلقه، اللطيف بعباده، الذي يتولى شأن مخلوقاته من النشأة أو الولادة إلى العدم أو الموت. ولا يدرك عظمة الله ورحمته إلا إنسان عاقل يدرك مدى عجزه وحاجته إلى ربّه، فإذا كان المريض يسعد سعادة عظمي بمساعدة غيره من الأطباء والممرضات، فكيف بعون الله ورعايته للإنسان في كل لحظة وثانية من لحظات وثواني العمر المديد، وفي تقلّبات الحياة الخطيرة الرّهيبة.
وأدلّة وحدانية الله ورحمته ملموسة واضحة في الكون المشاهد، ألم ير الإنسان أن الله هو الذي خلق السموات وما فيها من عوالم وأفلاك، وكواكب ومجرّات، ذات نظام دقيق، تسير في مداراتها دون تصادم مع غيرها بقدرة الله الذي أودع فيها ما يسمى بالجاذبية؟
والله هو الذي خلق الأرض وما فيها من إنسان وحيوان ونبات، ومعادن وأنهار وجبال ووديان، تسير فينا كأننا في سفينة، وتدور بنظام محكم، لا اضطراب فيه، مما يدلّ على وحدانية الله ورحمته الواسعة. والله الذي أوجد الليل والنهار، وجعلهما متعاقبين، متفاوتين طولا وقصرا على مدى العام، ومختلفين برودة وحرارة، وحركة وهدوءا، وأوجد فصول السّنة، مما يدلّ على وحدانية الرّحمن الرّحيم.
والله الذي ألهم الإنسان صناعة السفن، وعلّمه كيفية تسييرها في البحر بعد معرفة