جدب وقحط، تشاءموا بموسى ومن معه، وقالوا: هذا بسببهم وما جاؤوا به، وغفلوا عن واجب شكر نعمة الله وعن سيئاتهم وفساد أعمالهم، وشرور أنفسهم.
فردّ الله عليهم بأن كل ما يصيبهم من خير أو شر، فهو بقضاء الله وقدره، فالله جعل الخير ابتلاء ليعرف الشاكر من الجاحد، وجعل الشر ابتلاء أيضا، ليعرف الصابر من الساخط، وليرجع أهل الغي والفساد عن غيهم وفسادهم، ولكن أكثر الناس لا يعلمون حكمة الله في تصريف الكون، ولا كيفية الارتباط بين الأسباب والمسببّات، والأمور تجري بالمقادير، وكل شيء عنده بمقدار.
ومع هذه الإنذارات والآيات قال قوم فرعون لموسى: مهما تأتنا به من آية تستدل بها على صدقك في دعوتك، من أجل أن تسحرنا بها، وتصرفنا عما نحن عليه من ديننا بلطف وحذاقة، فلسنا نحن بمصدقين لك أبدا، ولا متبعين رسالتك.
فأنزل الله بهم عقابا على كفرهم وتكذيبهم وجرائمهم، أرسل عليهم الطوفان من الماء: وهو ما غلبهم وطاف بهم من مطر أو سيل، فأغرقهم وأتلف مزروعاتهم وأرسل عليهم الجراد الذي يأكل الأخضر واليابس من الثمار والزروع، وأتلف زراعتهم، وأرسل عليهم القمّل (وهو سوس القمح أو كبار القراد) ونحوها من الآفات الزراعية، وبعث الله تبارك وتعالى عليهم الضفادع، فتدخل في فرشهم وقدورهم وأواني الطبخ، وبين ثيابهم. وكذلك أرسل الله عليهم الدم حيث تتحول مياههم إلى دم. كل هذه آيات واضحات بينات ظاهرات، لا يشكل على عاقل أنها من عند الله، ولا يقدر عليها غيره، وكانت عبرة ضاحكة، لا تخفى على عاقل أنها من عند الله، ولكن بالرغم من هذه الآيات، فإن قوم فرعون تكبروا عنها وعن الإيمان برسالة موسى، وكانوا قوما مجرمين في حق أنفسهم وحق الله تعالى وعباده.