للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها: أنهم إذا ظهر لهم سبيل الغي والضلال والفساد، بادروا إليه مسرعين، بما تزينه لهم أهواؤهم ونفوسهم الأمارة بالسوء، وهؤلاء أسوأ ممن قبلهم. وعلة هؤلاء المتكبرين واحدة وهي تكذيبهم بآيات الله المنزلة على رسله، وغفلتهم عن انظر بما فيها، وإعراضهم عن العمل بها، كما قال تعالى: فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ [الصف: ٦١/ ٥] .

ومجمل حال هؤلاء المتكبرين: أن الله لم يخلقهم مطبوعين على الكفر والضلال، ولم يجبرهم عليه، بل حدث ذلك باختيارهم إذ إنهم هم الذين كذبوا بالآيات المنزلة التكوينية والتشريعية، وانغمسوا بأهوائهم وشهواتهم في بؤر الضلال والانحراف، وحجبوا أفهامهم عن إدراك الحق والهدى وسلوك سبيل السعادة والنجاة، فهم كما قال الله تعالى:

وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (١٧٩) [الأعراف: ٧/ ١٧٩] .

ومآل أعمال هؤلاء المتكبرين الكافرين هو إحباطها وإبطالها وتلاشي آثارها، وعدم ترتيب الثواب عليها، كما ذكر في هذه الآيات، فذكر الله تعالى مصير عمل الكفار: وهو أن الذين كذبوا بآيات الله المنزلة على رسله الكرام، ولم يؤمنوا بها، ولم يصدقوا بالآخرة وما فيها من جزاء على الأعمال من ثواب الخير وعقاب الشر، واستمروا على هذه الحال إلى الموت، هؤلاء بطلت أعمالهم وذهبت سدى، لفقد شرط القبول، وهو الإيمان، ولأن من سنته تعالى جعل الجزاء في الآخرة بحسب الأعمال السالفة في الدنيا، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، وكما تدين أيها الإنسان تدان، فقوله تعالى: هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ دليل على أن الجزاء من جنس العمل، فمن آمن وعمل الصالحات فله الجنة، ومن كفر وعمل السيئات فله النار.

<<  <  ج: ص:  >  >>