للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بلهف دون تعفف، وهم يعلمون أن وعد الله بالمغفرة مختص بالتائبين المقلعين عن الذنوب والمعاصي.

رد الله تعالى مزاعمهم هذه وأنكر عليهم صنيعهم، فإنه قد أخذ عليهم العهد والميثاق ألا يقولوا على الله إلا الحق وهو أن مغفرة الذنوب في التوراة مشروطة بالتوبة النصوح، ومن بنود الميثاق: تبيان الحق للناس وعدم كتمانه، والبعد عن تحريف الكلم وتغيير الشرائع لأجل الرشوة. وهم قد درسوا كتاب التوراة، وفهموا ما فيه، من تحريم أكل مال الآخرين بالباطل والكذب على الله.

ثم رغّبهم الله في جزيل ثوابه، وحذرهم من وبيل عقابه، وأمرهم بالاستعداد للآخرة، فإن الدار الآخرة وما فيها من نعيم خالد خير للذين يتقون المعاصي والمحارم، ويتركون الأهواء، ويقبلون على الطاعات، أفلا تعقلون هذه الترغيبات، وتدركون فحوى الإنذارات. وفي الجملة: إن الدار الآخرة خير من عرض الدنيا الفاني. ثم أثنى الله تعالى على من تمسك بكتابه الذي يوجهه للإيمان بجميع الأنبياء ومنهم خاتم الأنبياء والرسل محمد صلوات الله وسلامه عليهم، فالذين يتمسكون بأوامر الكتاب الإلهي ويعتصمون به، وأقاموا الصلاة- وخصها بالذكر لأهميتها- إنا لا نضيع أجر المصلحين أعمالهم.

ثم ذكّر الله تعالى بحادثة رفع جبل الطور فوق بني إسرائيل، حتى صار كأنه سقيفة قائمة في الهواء، لما أبوا قبول التوراة، وأيقنوا أنه ساقط عليهم، وفي ذلك الجو الرهيب قال الله لهم: خذوا ما أعطيناكم من أحكام الشريعة بجد واجتهاد، وحزم وعزم على احتمال المشاق والتكاليف، وتذكروا ما في التوراة من الأوامر والنواهي، ولا تنسوها، لعلكم تتقون ربكم، ورجاء أن تتحقق التقوى في قلوبكم، فتصبح أعمالكم متفقة مع دين الله وشرعه.

هذه التهديدات والإنذارات ينتفع بها كل قوم أرادوا الخير لأنفسهم ولأمتهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>