يتبين من هذا أن الإمداد بالنعم والخيرات والأرزاق المادية والمعنوية ليس دليلا على صلاح الإنسان، وإنما قد يكون استدراجا، أي سوقا شيئا بعد شيء، ودرجة بعد درجة بالنعم والإمهال، كما يستدرج العدو إلى مكان محكم للقضاء عليه. فإذا ترك الظالم فترة من الزمان دون عقاب فوري، فعليه ألا ينخدع بذلك ولا يغتر بظلمه وانحرافه، وهذا تهديد للمعرضين عن آيات الله.
ثم وبخ الله تعالى هؤلاء الكفرة الظلمة بقوله: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ.. أي أولم يتفكر ويتأمل بإنصاف هؤلاء المكذبون بآيات الله أنه ليس بصاحبهم محمد صلّى الله عليه وسلّم من جنون، إذ كانوا يقولون: شاعر مجنون، مع أنهم يعرفون حاله من بدء نشأته، ويعلمون حقيقة دعوته ودلائل رسالته، فهو ليس بمجنون وإنما رسول الله حقا، والداعية إلى الحق، والمنذر الناصح الواضح، والمبلّغ الأمين.
وسبب نزول هذه الآية:
أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صعد ليلا على الصفا، فجعل يدعو قبائل قريش: يا بني فلان، يا بني فلان، يحذرهم ويدعوهم إلى الله، فقال بعض الكفار حين أصبحوا: هذا مجنون، بات يصوت حتى الصباح.. فنفى الله ما قالوه من ذلك.
وإذا لم يتفكر هؤلاء القوم من قريش في شأن محمد النبي وشأن دعوته، أفلا يتأملون وينظرون في الملك العظيم من السماوات والأرض، وفي مخلوقات الله ومختلف الأشياء، فذلك مدعاة للإيمان، فلو نظروا فيما خلق الله من كبير وصغير، لأداهم النظر الصحيح إلى وجود الله ووحدانيته، ثم ألم ينظروا في احتمال مجيء الموت، فربما يموتون عما قريب. ويكفيهم مفاجأة الموت لحملهم على النظر وتأمل الحقيقة وطلب الحق، والإيمان برسول الله، والإنابة إلى طاعته. وإذا ماتوا ندموا ولا أمل بعدئذ في النجاة ولا يقبل منهم إيمان يوم القيامة، إذا لم يؤمنوا بالقرآن العظيم في