المقصود من هذه الآيات: يا أيها المصدقون بالله ورسوله، إذا اقتربتم من عدوكم حال كونهم زاحفين نحوكم لقتالكم، أي متقابلي الصفوف والأشخاص فلا تفرّوا منهم أبدا، مهما كثر عددهم، وأنتم قلة، بأن كانوا مثلي أو ضعف المؤمنين، واثبتوا لهم وقاتلوهم، فالله معكم عليهم.
لا يجوز الانهزام أمامهم بحال إلا لمصلحة حربية بأن يتحرف المقاتل لقتال، أي يظهر أنه منهزم، ثم يكرّ أو ينعطف عليه مرة أخرى ليقتله، وهذه مكيدة حربية مشروعة، أو يتحيز المقاتل لفئة أخرى من جماعته، أي ينضم لجماعة إسلامية أخرى تؤيده وتساعده، لمقاتلة العدو معا، وما عدا هاتين الحالتين يحرم الفرار من الزحف أمام العدو، ومن يخالف هذا وينهزم، يرجع مصحوبا بغضب الله وسخطه، ومأواه في الآخرة جهنم، وبئس المصير أي المرجع هي. وهذا دليل على أن الفرار من الزحف أمام العدو من كبائر المعاصي، ويؤيده ما
جاء في حديث البخاري ومسلم:«اجتنبوا السبع الموبقات- أي المهلكات- وذكر منها التولي يوم الزحف» .
ثم أبان القرآن الكريم أمرا مهما في عقيدة الإسلام في القتال ألا وهي أن المقاتلين لا يستقلون بقتل العدو، وإنما الخلق والاختراع في جميع حالات القتل إنما هي لله تعالى، ليس للقاتل فيها شيء، وإنما هو مجرد وسيلة وأداة، فالفعّال الحقيقي هو الله:
فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى أي إن افتخرتم بقتلهم في بدر، فأنتم لم تقتلوهم بقوتكم وعدتكم، ولكن الله قتلهم بأيديكم، لأنه هو الذي أنزل الملائكة، وألقى الرعب في قلوبهم، وحقق النصر والظفر لكم.
وسبب نزول هذه الآية: أن أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما صدورا (رجعوا) عن بدر، ذكر كل واحد منهم ما فعل، فقال: قتلت كذا، وفعلت كذا، فجاء من ذلك