وفسادا في العمل، ولأسرعوا بالسعي بين المؤمنين بالنميمة والبغضاء، وتفريق الكلمة، وبذر بذور التفرقة والاختلاف، وإشاعة الخوف والأراجيف من الأعداء، وتثبيط الهمة.
هذا مع العلم بأن بين المؤمنين قوما ضعاف العقل والإيمان والعزيمة يسمعون كلامهم، ويصدّقون أقوالهم، ويطيعونهم، فتفتر عزائمهم عن الجهاد، وإن كانوا لا يعلمون حالهم، فيؤدي إلى وقوع شر بين المؤمنين وفساد كبير، وهذا لا يتفق في المواقف الخطرة مع المصلحة. والله عليم علم إحاطة بأحوال الظالمين الظاهرة والباطنة، فهو سبحانه يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن، ومجازيهم على أعمالهم كلها. وفي هذا دلالة واضحة على أن خروج المنافقين لتبوك شر لا خير فيه، وضعف لا قوة.
وتذكيرا واقعيا للمؤمنين، بموقف من الماضي، ذكر الله تعالى نوعا آخر من مكر المنافقين وخبث باطنهم تحقيرا لهم، وإبطالا لسعيهم، فقال سبحانه: لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ.. أي لقد أرادوا إيقاع الفتنة بين المسلمين من قبل ذلك، في غزوة أحد، حين اعتزل المؤمنين عبد الله بن أبي زعيم المنافقين بثلث الجيش في موضع يسمى الشوط بين المدينة المنورة وأحد، ثم قال للناس: أطاع النبي الولدان ومن لا رأي له، فعلام نقتل أنفسنا؟! وكاد يتبعه بنو سلمة وبنو حارثة، ولكن الله عصمهم من الهوان، لقد أراد المنافقون إيقاع الفتنة في أحد بين أهل الإيمان، وأرادوا تدبير الحيل والمكايد للنبي، وفكروا في إبطال أمره، حتى جاء النصر والتأييد، وظهر أمر الله، أي غلب دينه وعلا شرعه، بالتنكيل بالأعداء من اليهود، وإبطال الشرك بفتح مكة، وانتشار الإسلام، وكل هؤلاء الأعداء كارهون انتصار المؤمنين، وظهور دعوة الإسلام.