منتحلين الأعذار الواهية، مظهرين التمسك بالفضيلة، فيرد الله عليهم مكذبا دعواهم، كاشفا حقيقتهم بأنهم بهذه المقالة وقعوا فعلا في الفتنة، حين انتحلوا الأعذار الكاذبة، وقعدوا عن الجهاد، إنهم سقطوا في الفتنة أي إنهم في الإثم والمعصية وقعوا. وإن نار جهنم لمحيطة بهم، لا يجدون عنها محيدا ولا مهربا، وهذا وعيد شديد لهم بأنهم أهل جهنم، لكثرة خطاياهم.
وأما آية إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ.. فإنها نزلت- كما
روى ابن أبي حاتم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه- قال: جعل المنافقون الذين تخلفوا بالمدينة، يخبرون عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أخبار السوء، يقولون: إن محمدا وأصحابه قد جهدوا في سفرهم- أي إلى تبوك- وهلكوا، فبلغهم تكذيب حديثهم، وعافية النبي صلّى الله عليه وسلم وأصحابه، فساءهم ذلك، فأنزل الله: إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ...
هذا لون آخر من طبائع المنافقين المتشبعة بالكيد والخبث واستغلال الفرص لإظهار الشماتة بالمؤمنين، فإن عرضت لك أيها النبي في بعض الغزوات (المعارك الحربية) حسنة، أي فتح ونصر وغنيمة كيوم بدر، ساءهم ذلك، وإن أصابتك مصيبة، أي نكبة وشر وشدة كانهزام وتراجع في معركة كمعركة أحد، قالوا: قد اتخذنا ما يلزم من الحذر والتيقظ والعمل بالحزم، واحترزنا من متابعته من قبل ما وقع، إذ تركنا القتال ولم نتعرض للهلاك، لأنا متوقعون هذه الهزيمة، وانصرفوا إلى أهاليهم عن موضع التحدث والمفاخرة بآرائهم هذه، وهم مسرورون للنتيجة.
والحسنة: ما يسرّ النفس حصوله، والسيئة: ما يسوء النفس وقوعه. فأمر الله نبيه أن يجيبهم عن شماتتهم وانتهازيتهم: لن يصيبنا أبدا إلا ما كتب وخط لنا في اللوح المحفوظ، فنحن تحت مشيئة الله وقدره، هو مولانا، أي ناصرنا ومتولي أمورنا ونتولاه، وهذا إفساد لفرحهم بإعلامهم أن الشيء الذي يعتقدونه مصيبة ليس كما