روي أن المشركين قالوا لما نزل: فَإِنِّي قَرِيبٌ: كيف يكون قريبا من بيننا وبينه على قولك سبع سموات في غلظ سمك (سقف) كل واحدة خمس مائة عام، وفيما بين كل سماء مثل ذلك، فنزلت: أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ
أي فإني قريب بالإجابة والقدرة، أجيب إن شئت. وإذا استجاب الله دعاء عبده، فإما أن تظهر الإجابة في الدنيا، وإما أن يكفّر عن العبد خطاياه وذنوبه، وإما أن يدّخر له أجر في الآخرة، أخرج الإمام مالك في موطئه عن زيد بن أسلم أنه كان يقول:«ما من داع يدعو إلا كان بين إحدى ثلاث: إما أن يستجاب له، وإما أن يدخر له، وإما أن يكفّر عنه» وهذا حديث في حكم المرفوع، أيّده حديث جابر المرفوع إلى النّبي صلّى الله عليه وسلم بالنّص السابق.
والدعاء بالسوء والأذى والاعتداء ممنوع، قال الله تعالى: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [الأعراف: ٧/ ٥٥.]
وإذا سبق القدر بشيء فلا يجاب الدعاء، فهذا أفضل البشر المصطفى محمد صلّى الله عليه وسلم قد «دعا أن لا يجعل بأس أمته بينهم» فلا يتنازعون ولا يتخاصمون، ولا يتفرقون شيعا وأحزابا، فمنع ذلك لأن القدر سبق بغير ذلك.
سئل عبد الله بن جابر بن عتيك في بني معاوية، وهي قرية من قرى الأمصار:«هل تدري ما الثلاث التي دعا بهن رسول الله؟ فقال: دعا بألا يظهر عليهم عدوّا من غيرهم، ولا يهلكهم بالسنين فأعطيهما، ودعا بألا يجعل بأسهم بينهم، فمنعها، قال ابن عمر: صدقت، ثم قال ابن عمر: فلن يزال الهرج إلى يوم القيامة»
والهرج: الفتنة والانقسام والاختلاط في الأمور.
ومن أهم آداب الدعاء: الأدب مع الله وخشوع القلب وصدق الطلب، والاستقامة واستجابة ما دعا الله إليه من الإيمان بالطاعة والعمل، فاستجابة الله للعبد مرتبطة باستجابة العبد لله فيما أمره به، وفيما نهاه عنه.
ثم ذكر تعالى ما يحلّ في ليالي الصوم وحدود الصوم نهارا، فقال: