التوبة من الله: رجوعه بعبده من حالة إلى أرفع منها، فقد تكون في الأكثر رجوعا من حال المعصية إلى حال الطاعة، وقد تكون رجوعا من حالة طاعة إلى أكمل منها.
وهذه توبته تعالى في هذه الآية على النبي صلّى الله عليه وسلّم، لأنه رجع به من حاله قبل الظفر بأجر الغزوة وتحمل مشاقها إلى حاله بعد ذلك كله، وأما توبته تعالى على المهاجرين والأنصار فحالها تحتمل النقلة من تقصير إلى طاعة، وجدّ في القتال، ونصرة الدين.
وأما توبته تعالى على الفريق الثلاثة الذين كادوا أن يزيغوا، فرجوع من حالة محطوطة إلى غفران ورضا.
والمعنى: لقد تفضل الله بمزيد بالرضا عن نبيه، وعلى أصحابه المؤمنين الذين صاحبوه في تبوك وقت الشدة والضيق، وهي غزوة العسرة، والتزموا أمر النبي ولم يرغبوا بأنفسهم عن نفسه، لقد رضي الله عن نبيه وعطف عليه، وقبل التوبة من الصحابة ووفقهم للعمل بمقتضاها. وحدثت هذه التوبة على المؤمنين، من بعد ما كاد يزيغ أو يميل بعضهم عن الحق والإيمان، وهم الذين تخلفوا عن تبوك لغير سبب النفاق.
ثم أكد الله تعالى التوبة على المؤمنين، بأن رزقهم الإنابة إلى ربهم، والثبات على دينه، إن ربهم رؤف رحيم بهم، فلا يتركهم بعد صبرهم على الجهاد، وإنما يزيل ضررهم، ويديم نفعه لهم، ويحقق المصلحة لهم، وهذا معنى الرأفة، أي السعي في إزالة الضر، والرحمة، أي السعي في إيصال النفع.
وفائدة تأكيد ذكر التوبة مرة أخرى تعظيم شأنهم، وإزالة الشك من نفوسهم، والتجاوز عن وساوسهم التي كانت تقع في قلوبهم في ساعة العسرة. قال مجاهد