عظيم، بسبب أن كل ما يتعرضون له أثناء جهادهم مثابون عليه، من معاناة ومكابدة ومشاق، كالعطش والتعب والجوع والألم في سبيل الله، ووطء جزء من أرض الكفر يغيظ الكفار، والنيل من الأعداء بالأسر أو القتل أو الهزيمة أو الغنيمة، كل ذلك يستحق الثواب الجزيل المكافئ لما قدموه وزيادة، وذلك مما يوجب المشاركة في الجهاد، إن الله لا يضيع أجر المحسنين، أي لا يدع لهم شيئا من الثواب على إحسانهم إلا كافأهم به، وكقوله تعالى: إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا [الكهف:
١٨/ ٣٠] .
وكذلك لا ينفق هؤلاء المجاهدون في سبيل الله نفقة صغيرة ولا كبيرة، أي قليلا ولا كثيرا، ولا يقطعون واديا، أي في أثناء السير إلى الأعداء، إلا أثبت لهم الجزاء الأوفى. وإذا كتبت الصغيرة فالكبيرة أحرى. والوادي: ما بين الجبلين، سواء كان فيه ماء أو لم يكن، والله أراد لهم أن يجزيهم أحسن الجزاء على عملهم، لأن الجهاد في سبيل الله إعلاء لكلمة الإسلام، وصون لصرح الإيمان، وحفظ لحرمة الأوطان، وما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا واستعبدوا.
أخرج ابن جرير الطبري حديثا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:«ما ازداد قوم من أهليهم في سبيل الله بعدا إلا ازدادوا من الله قربا» .
والحاصل: إن فرضية الجهاد على أهل المدينة ومن حولهم من الأعراب كانت فرض عين لأنهم نواة الدولة، وقاعدة الإسلام، وعلى كواهلهم بناء المجد والعزة والسيادة. فلما كثر المسلمون، أباح الله التخلف عن الجهاد مع الحكام لمن شاء. قال قتادة: كان هذا خاصا بالنبي صلّى الله عليه وسلّم، إذا غزا بنفسه، فليس لأحد أن يتخلف عنه إلا بعذر، فأما غيره من الأئمة والولاة، فلمن شاء أن يتخلف خلفه من المسلمين إذا لم يكن بالناس حاجة إليه ولا ضرورة. قال القرطبي: قول قتادة حسن، بدليل غزاة تبوك.