إن هؤلاء الكفرة المكذّبين بالبعث في الآخرة، قد خسروا ثواب الجنة خسارة كبري، حين بدّلوا الإيمان بالكفر، ولم يكونوا مهتدين لأوجه الربح والنفع بعمل الصالحات، فما أخسرهم. وهذا تعجّب شديد من أفعالهم.
والتهديد الثاني أن بعض عذاب المشركين المكذّبين برسالة النّبي صلّى الله عليه وسلّم سيكون في الدنيا وبعضه سيكون في الآخرة، فقل لهم أيها الرسول لمن يستعجل العذاب استهزاء واستبعادا: إما أن ننتقم منهم حال حياتك لتقرّ عينك كما حدث في معركة بدر وحنين وغيرهما، وإما أن نعذبهم بعد رجوعهم إلينا في الآخرة وبعد وفاتك، فنطلعك على أفعالهم، ونجازيهم عن علم وشهادة حق، فإن الله شاهد على ما يفعلون، كما جاء في آية أخرى: وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ (٤٠)[الرّعد: ١٣/ ٤٠] . ويدلّ هذا على أن الله تعالى يري رسوله ألوانا من ذلّ الكافرين وخزيهم في الدنيا، وسيزيد عليه بعد وفاة النّبي، وفي عالم الآخرة.
فتكون الآية وعيدا بالرجوع إلى الله تعالى، فإن أريناك أيها النّبي عقوبتهم، أو لم نركها، فهم على كل حال راجعون إلى الحساب والعذاب في الآخرة، والله شهيد من أول تكليفهم على جميع أعمالهم.
والتهديد الثالث إخبار من الله تعالى بالقضاء الفصل في مصير المشركين يوم القيامة، فإن لكل أمة رسولا، فإذا جاء رسولهم يوم القيامة للشهادة عليهم، صيّر قوم للجنّة وقوم للنّار، فذلك القضاء بينهم بالقسط أي بالعدل، وهم لا يظلمون في قضائه شيئا، ولا عذاب بغير ذنب مرتكب، ولا مؤاخذة بغير حجة، من آمن بالرسول فاز ونجا، ومن لم يؤمن هلك وعذّب، كما جاء في آية أخرى: وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء: ١٧/ ١٥] .