القصد من الآية تبيان إحاطة علم الله بكل شيء، والإخبار بأنه يعلم جميع أحوال الناس، ومعنى اللفظ: وما تكون يا محمد وغيرك في شأن من جميع الشؤون، وأمر من الأمور الخاصة والعامة، وما تتلو من أجل ذلك الشأن من قرآن ينزل عليك، لنشر دعوة الله في الأرض، إلا ونحن شهود عليكم، حين تفيضون فيه، أي تقومون فيه بجدّ ونشاط. ولا يغيب عن علم الله شيء حتى يخفى عليه، ولو كان مثقال ذرة، أي وزن نملة، أو هباء، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر كالعرش، إلا في كتاب مبين، أي إلا ومعلوم له، ومدون في اللوح المحفوظ، الذي كتب فيه مقادير الموجودات كلها. وقوله سبحانه: مِثْقالِ ذَرَّةٍ جعله الله مثالا، إذ لا يعرف في الحيوان المتغذّي المتناسل المشهور النوع والموضع أصغر منه.
وهذه الآية مثل قوله تعالى: وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٥٩)[الأنعام: ٦/ ٥٩] .
وبعد أن أعلم الله عباده بإحاطة علمه بجميع الأشياء والأعمال، ليبعثهم على الشكر والعبادة، ذكر حال الشاكرين المتّقين الذين حسن جزاؤهم في الآخرة، وهم أولياء الله، أي أحبّاؤه وأصفياؤه، وهم المؤمنون الذين والوه بالطاعة والعبادة، فكل من آمن بالله واتّقى ربّه، فهو داخل في أولياء الله. وهؤلاء الأولياء المقرّبون إلى الله لا خوف عليهم في الدنيا من مكروه يتوقع، ولا حزن عليهم في الآخرة من مخاوف القيامة، فهم لا يخافون عذابا ولا عقابا ولا يحزنون لذلك،