وتابع موسى رعاية المؤمنين، فقال لهم حينما لمس خوفهم من الاضطهاد: إن كنتم آمنتم، أي صدقتم بالله وآياته حقّا، فعليه توكّلوا وفوّضوا أموركم إليه، وثقوا بنصره وحمايته لكم إن كنتم مسلمين، أي خاضعين لله وطاعته، منقادين لأحكامه وأوامره، لأن التوكّل على الله لا يختلط بغيره. فالمراد من قوله: إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ أهل طاعة مع إيمان، فيكون ذكر الإسلام فيه زيادة معنى. فقالوا فورا: على الله توكّلنا واعتمدنا، وبه وثقنا واستعنّا على أعدائنا، ربّنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين، أي لا تنزل بنا بلاء بأيدينا أو بغير ذلك، مدة مجاورتنا لأتباع فرعون، فيعتقدون أن إهلاكنا إنما هو لسوء ديننا، وصلاح دينهم، وأنهم أهل الحق. فهذا الدعاء يتضمن دفع أمرين: أحدهما- القتل والبلاء الذي توقعه المؤمنون. والآخر- ظهور الشّرك باعتقاد أهله أنهم أهل الحق، وفي ذلك فساد الأرض.
وتابعت طائفة الإيمان دعاءها بقولهم: وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٨٦) أي خلّصنا برحمتك وإحسانك وعفوك من تسلّط الكافرين بك، الظّالمين الطّغاة، الذين كفروا الحق وستروه، ونحن قد أعلناه وآمنّا بك وتوكّلنا عليك.
ثم أوضح الحقّ تعالى سبب إنجاء بني إسرائيل من فرعون وقومه، فقال: وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً ... أي أمرنا موسى وأخاه هارون عليهما السّلام أن يتخذا لقومهما بمصر بيوتا، تكون مساكن للاعتصام فيها، وأمر القوم أن يتخذوا البيوت مساجد متّجهة نحو القبلة في بيت المقدس، وأن يقيموا جميعا الصلاة في تلك البيوت، أي أتموها وافية بشروطها، لئلا يطّلع عليهم الكفرة، فيؤذوهم ويفتنوهم عن دينهم. وبشر يا موسى المؤمنين برسالتك بالصون والنصر على أعدائهم في الدنيا، وبالجنة في الآخرة.
ولا شك بأن الإيمان الطوعي الاختياري هو الإيمان الحق، وهو المطلوب والذي