للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القائلين بالتخيير بينه وبين ما رمزنا إليه بعض المباينة، فإنهم يجعلون الفعل الذي امتنع عليه بمنزله الحنث، وأنه يوجب إما الكفارة وإما الوفاء، وما رمزنا إليه يقتضي أَنَّ الفعل موجب للزوم الوفاء كما التزمه، وجعل له الشارع طريقًا إلى الخروج عن ذلك الالتزام بالتكفير، كما جعل له طريقًا إلى مخالفة اليمين بالتكفير؛ كيف وقد أشرنا إلى فعل الملتزم بمنزلة الوفاء باليمين وكأنه لم يحنث، وَتَرْكُهُ بمنزلة الحنث).

فيقال له: لا ريب في الفَرْقِ بين ما ذكره الأصحاب وبين ما ذكرتَهُ، وليس ما ذكرتَهُ رمزًا (١) بل كلامًا بَيِّنًا معقولًا، وما ذكرتَهُ فيه بعض الحق وما ذكره الأصحاب فيه بعض الحق، وما ذكرتَهُ أَنْتَ لو وَفَّيْتَ بموجبه لكان أقرب إلى الحق؛ وذلك أَنَّا قد ذكرنا أَنَّ قوله: إِنْ فعلتُ كذا فلله عليَّ أَنْ أُعتق بمنزلة قوله: فوالله لأعتقنَّ، وَأَنَّ هذا يمين تضمنت يمينين، تضمنت امتناعَهُ من الفعل كما يمتنع غيره من الحالفين، وتضمن أنه إذا حنث بفعله [٢٦٨/ب] ذلك الفعل فقد لزمته يمين أخرى، وهو حلفه ليعتقنَّ عبده.

والإنسان إذا حلف ليفعلنَّ فعلًا عند وجود فعل آخر يكرهه كقوله: والله لئن عصيتِنِي لأطلقنَّكِ، أو إِنْ خرجتِ من داري أو خاصمت أمي فوالله لأطلقنك، أو فلله عليَّ أَنْ أطلقك، أو فنذرٌ عليَّ أَنْ أطلقك، أو قوله: إِنْ فعلتِ كذا فوالله لأضربنَّكِ، أو فوالله لأفارقنَّك ونحو ذلك مما يعقده من الأيمان على تقدير الفعل الذي يكرهه= قصده بهذه الأيمان مَنْعَ غيره (٢) من ذلك الفعل الأول، ثم قد يكون مريدًا لأن يفعل ما حلف عليه إذا وجد الفعل


(١) في الأصل: (أمرًا)، ولعل الصواب ما أثبتُّ.
(٢) في الأصل: (نفسه)، وجميع الأمثلة التي ذكرها هي في الغير؛ فلعلها ما أثبتُّ.