للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البغيض الذي لم يزل مكروهًا بغيضًا، وبغضُهُ وكراهتُهُ أقوى وأبقى.

فهكذا الحالف عَرَضَ له بُغْضٌ لبعضِ الأمور فأراد مَنْعَ نفسِهِ أو غيرِهِ منه فجعلَ له لازمًا هو له أعظم بغضًا، وهو منه أعظم امتناعًا، ثم قد يزول بغضه لذلك الأول ويحبه ويريده، لكن إذا وجد وجد هذا البغيض الثاني الذي بغضه أقوى وأبقى، ووجود هذا لا سبيل إليه، فإنْ كانت اليمين لا كفارة فيها لم يبقَ له سبيل إلى ذلك الفعل الذي يريده إلا بوجود هذا البغيض، وَإِنْ كانت له كفارة حَلَّلَتْ هذا العقد فأمكنه أَنْ يفعل الأول فيكونُ بمنزلةِ مَنْ خَلَّصَ أسيره من عدوه بديةٍ يدفعها إليهم.

وهكذا إذا قال: إِنْ فعلتُ كذا فنسائي طوالق وعبيدي أحرار، فهو مانعٌ لنفسه من الفعل، وجاعلٌ عتقَ (١) عبيدِهِ وطلاقَ نسائِهِ لازمًا له على تقدير الفعل، وهو تقديرٌ يريدُ انتفاءه، لكن إرادة انتفائه عارضةٌ له، فإذا صار بعد ذلك مريدًا للفعل لا لانتفائه= لم يمكنه ذلك إذا كان التعليق لازمًا لا تحلة له إلا بوجود اللازم الذي هو مكروهٌ له، سواءٌ أرادَ الفعل الأول أو لم يرده، فإنه على التقديرين لا يريد هذا الجزاء اللازم البتة، بل يكرهُهُ غايةَ الكراهة، ويمتنعُ منه غايةَ الامتناع، وإنما جعله لازمًا ليمتنع بامتناعه منه الشرط الملزوم المكروه، لا ليوجد إذا وجد الشرط المكروه، وهذا بخلاف ما إذا قَصَدَ الطلاق عند الشرط المكروه، فقال: إِنْ فعلتِ كذا فأنتِ طالق، وهو يريد طلاقها عند الشرط؛ فهذا قاصدٌ لطلاقها عند الشرط، لكن إيقاعًا لا حلفًا عليها.

وإذا قال: إِنْ فعلتِ كذا فوالله لأطلقنَّك؛ فهو قاصدٌ لأنْ يحدث عليها


(١) في الأصل: (لعتق)، والصواب ما أثبتُّ.