للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقول: إنَّ القول القديم لا يجوز أن يجعل مذهبًا له مع رجوعه عنه لا سيما مع تصريحه بالرجوع عنه، ومنهم مَنْ يُفَرِّق بين ما صَرَّح برجوعه عنه وما لم يصرح بذلك، ومنهم من يَحكي له القولين مع تصريحه بالرجوع، ويقول: هو قال ذلك القول باجتهاده وهذا باجتهاده، وقد يكون القول المتقدم هو الصواب الذي يدل عليه الكتاب والسنة (١).

والعالم ليس كالنبي الذي إذا نسخ قولًا علم قطعًا أن المنسوخ ليس بشرعٍ لله، بل قد يكون القول المتقدم الذي رجع عنه العالم هو دين الله في نفس الأمر.

قالوا: ونحن نذكر أقوال العلماء لنستدل (٢) بها على شرع الله ورسوله؛ فإنهم وسائل ووسائط بيننا وبين الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وإذا جاز أن يكون قوله الأول هو قول الرسول دون الثاني، وجاز أن يكون الثاني هو قول الرسول =لم يمكنا [٧٥/ أ] أن نجزم بأن القول الأول باطل في نفس الأمر.

وإذا قال القائل: القول المتقدم ليس هو مذهبه.

قيل له: إِنْ أردت أنه لم يكن مذهبًا له؛ فهذا غلط، بل كان مذهبًا له في بعض الأوقات، وإن أردت أنه ليس هو مذهبه الذي مات عليه؛ فهذا صحيح، لكن هذا لا يفيدنا أن يكون هو شرع الرسول في نفس الأمر، بل نحن نذكر أنه كان يذهب إلى هذا ثم ذهب إلى نقيضه، فكان هذا قولُه أولًا ثم صار هذا قوله ثانيًا، وإذا رَجَّحَتِ الأدلةُ الشرعيةُ أحدَ القولين رَجَّحْنَاه،


(١) التمذهب (٣/ ١١٩٥)، تغير الاجتهاد (٣/ ١٦٤) والمراجع التي أحالا عليها. وانظر ما سيأتي (ص ٧٣٦، ٧٤٦).
(٢) هكذا قرأتها.